قتل أبيه المتوكل، ويقول في الأتراك: هؤلاء قَتَلة الخلفاء، ويذكر من ذلك ما تخوّفوه، فجعلوا لخادم له ثلاثين ألف دينار على أن يحتال في سمّه، وجعلوا لعليّ بن طيفور جملة، وكان المنتصرُ يكثر أكل الكمثرى إذا قُدّمت إليه الفاكهة، فعمد ابن طيفور إلى كمّثراة كبيرة نضيجة، فأدخل في رأسها خلالة، ثم سقاها سمًّا، فجعلها الخادم في أعلى الكمثرى الذي قدّمه إليه، فلما نظر إليها المنتصر أمره أن يَقْشِرها ويطعمه إياها، فقشرها وقطعها، ثم أعطاه قطعة قطعة حتى أتى عليها، فلما أكلها وجد فترةً، فقال لابن طيفور: أجد حرارة، فقال: يا أمير المؤمنين؛ احتجم تبرأ من علّة الدّم، وقدّر أنه إذا خرج الدم قوي عليه السمّ، فحجم فحُمّ، وغلظت علّته عليه، فتخوف هو والأتراك أن تطول علته، فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ الحجامة لم يكن فيها ما قدّرنا في عافيتك، وتحتاج إلى الفَصد؛ فإنه أنجح لما تريد، فقال: أفعل، ففصده بمبضع مسموم، ودهش، فألقاه في مباضعه - وكان أحدّها وأجودها، ثم إن عليّ بن طيفور، وجد حرارة، فدعا تلميذًا له ليفصده، فنظر في المباضمع فلم يجد أحدّ منه، ولا أخير ففصده، فكانت منيته فيه.
وذكر عن ابن دهقانه أنه قال: كنا في مجلس المنتصر يومًا بعدما قتِل المتوكل، فتحدّث المسدود الطنبوريّ بحديث، فقال المنتصر: متى كان هذا؟ فقال: ليلة لا ناهٍ ولا زاجر؛ فأحفظَ ذلك المنتصر.
وذُكر عن سعيد بن سلمة النصرانيّ أنه قال: خرج علينا أحمد بن الخصيب مسرورًا يذكر أن أمير المؤمنين المنتصر رأى في ليلة في المنام: أنه صعد دَرَجَةً حتى انتهى إلى خمس وعشرين مِرْقاةً منها؛ فقيل له: هذا ملكك؛ وبلغ الخبر ابنَ المنجّم، فدخل عليه محمد بن موسى وعليّ بن يحيى المنجّم مهنئين له بالرؤيا، فقال: لم يكن الأمر على ما ذَكر لكم أحمد بن الخصيب؛ ولكني حين بلغتُ آخر المراقي، قيل لي: قف فهذا آخر عمرك؛ واغتمّ لذلك غمًّا شديدًا، فعاش بعد ذلك أيامًا تتمّة سنة، ثمّ مات وهو ابن خمس وعشرين سنة.
وقيل: تُوفِّيَ وهو ابن خمس وعشرين سنة وستة أشهر.
وقيل: بل كان عمره أربعًا وعشرين سنة، وكانت مدة خلافته ستة أشهر في قول بعضهم ويومين.