الفَلْس، فقاتله بقرب جسر الكوفة قتالًا شديدًا، فانهزم عبد الرحمن بن الخطاب، وانحاز إلى ناحية شاهي، ووافاه الحسين بن إسماعيل، فعسكر بها، ودخل يحيى بن عمر الكوفة، واجتمعت إليه الزيديّة، ودعا إلى الرضا من آل محمد وكثُفَ أمره، واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبّوه، وتولّاه العامة من أهل بغداد - ولا يُعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره - وبايعه بالكوفة جماعة لهم بصائر وتدبير في تشيُّعهم، ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم.
وأقام الحسين بن إسماعيل بشاهي، واستراح وأراح أصحابه دوابَّهم، ورجعت إليهم أنفسهم، وشربوا العذب من ماء الفُرات؛ واتّصلت بهم الأمداد والمِيرة والأموال، وأقام يحيى بن عمر بالكوفة يعدّ العدد، ويطبع السيوف، ويعرض الرجال، ويجمع السلاح.
وإن جماعة من الزيديّة ممّن لا علم لهم بالحرب أشاروا على يحيى بمعاجلة الحسين، وألحّت عليه عوامّ أصحابه بمثل ذلك، فزحف إليه من ظهر الكوفة من وراء الخندق ليلة الإثنين لثلاث عشرة خلت من رجب، ومعه الهيضَم العِجليّ، في فرسان من بني عِجْل وأناس من بني أسد ورجّالة من أهل الكوفة ليسوا بذوي علْم ولا تدبير ولا شجاعة، فأسْرَوْا ليلتهم، ثم صبّحوا حسينًا وأصحابَه - وأصحابُ حسين مستريحون ومستعدّون - فثاروا إليهم في الغَلَس فرموا ساعة، ثم حمل عليهم أصحاب الحسين فانهزموا، ووُضع فيهم السيف، فكان أوّل أسير الهيضم بن العَلاء بن جمهور العِجليّ، فانهزم رجّالةُ أهل الكوفة، وأكثرهم عُزْل بغير سلاح، ضَعْفى القوى، خلقان الثياب، فداستهم الخيل، وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر، وعليه جوشن تُبَّتيّ، وقد تقطّر به البرذون الذي أخذه من عبد الله بن محمود، فوقف عليه ابنٌ لخالد بن عمران يقال له خير؛ فلم يعرفه، وظنّ أنه رجل من أهل خراسان؛ لمّا رأى عليه الجوشن، ووقف عليه أيضًا أبو الغور بن خالد بن عمران، فقال لخير بن خالد: يا أخي، هذا والله أبو الحسين قد انفرج قلبُه، وهو نازل لا يعرف القصّة لانفراج قلبه، فأمر خير رجلًا من أصحابه المواصلين من العرَفاء يقال له مُحْسِن بن المنتاب، فنزل إليه فذبَحه، وأخذ رأسه وجعله في قَوْصرّة، ووجّهه مع عمر بن الخطاب، أخي عبد الرحمن بن الخطاب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر.