أما بعد؛ فالحمد لله المنعم فلا يبلغ أحد شكرَ نعمته، والقادر فلا يعارَض في قدرته، والعزيز فلا يغالب في أمره، والحَكم العدل فلا يردّ حكمه، والناصر فلا يكون نصره إلَّا للحق وأهله، والمالك لكلّ شيء فلا يخرج أحد عن أمره، والهادي إلى الرحمة فلا يضلّ من انقاد لطاعته، والمقدّم إعذاره ليظاهر به حجته؛ الذي جعل دينه لعباده رحمة، وخلافته لدينه عصمة، وطاعة خلفائه فرضًا واجبًا على كافة الأمة؛ فهم المستحفَظون في أرضه على ما بعث به رسله، وأمناؤه على خلقه فيما دعاهم إليه من دينه، والحاملون لهم على منهاج حقه؛ لئلا يتشعّب بهم الطريق إلى المخالفة لسبيله، والهادي لهم إلى صراطه؛ ليجمعهم على الجادّة التي نَدب إليها عبادَه الذين بهم يُحمَى الدّين من الغواة والمخالفين؛ محتجّين على الأمم بكتاب الله الذي استعملهم به، ودعا الأمة بحقّ الله الذي اختارهم له؛ إن جاهدوا كانت حجة الله معهم، وإن حاربوا حكَم بالنصر لهم، وإن بغاهم عدوّ كانت كفاية الله حائلةً دونهم ومعقلًا لهم، وإن كادهم كائد فاللهُ من وراء عونهم، نَصَبهم الله لإعزاز دينه؛ فمن عاداهم فإنما عادى الدّين الذي أعزّه وحرسه بهم، ومن ناوأهم فإنما طعن على الحقّ الذي يكلؤه بحراستهم جيوشهم بالنّصر والعزّ منصورة، وكتائبهم بسلطان الله من عدوّهم محفوظة، وأيديهم عن دين الله دافعة، وأشياعهم بتناصرهم في الحقّ عالية، وأحزاب أعدائهم ببغيهم مقموعة، وحجتهم عند الله وعند خلْقه داحضة، ووسائلهم إلى النصر مردودة، تجمعهم مواطن التحاكم، وأحكام الله بخذلانهم واقعة، وأقداره بإسلامهم إلى أوليائه جارية، وعاداتهم في الأمم السالفة والقرون الخالية ماضية؛ ليكون أهلُ الحق على ثقة من إنجاز سابق الوعد، وأعداؤه محجُوبون بما قدّم إليهم من الإنذار، معجّلة لهم نقمة الله بأيدي أوليائه، معَدٌّ لهم العذاب عند ربهم، والخزي موصول بنواصيهم في دنياهم، وعذاب الآخرة من ورائهم وما الله بظلام للعبيد.
وصلى الله على نبيه المصطفى، ورسوله المرتَضى، والمنقذ من الضّلالة إلى الهدَى، صلاة تامّة نامية بركاتها، دائمة اتصالها، وسلم تسليمًا.