حتى جازت العسكر بأكثر من نصف فرسخ، فعبرت إليهم شبّارات من عسكر أبي أحمد؛ فكانت بينهم مناوشة، وأخذوا عِدّة من الشبارات بما فيها من المقاتلة والملاحين، فاستوثق منهم، وانصرف محمد بن عبد الله، وأمر ابن أبي عون أن يصرف الناس، فوجَّه ابنُ أبي عون إلى النّظارة والعامة من صرفهم وأغلظ لهم القول، وشتَمهم وشتموه، وضرب رجلًا منهم فقتله، وحملت عليه العامة؛ فانكشف من بين أيديهم؛ وقد كان أربع شبّارات من شبّارات أهل بغداد تخلّفت؛ فلما انصرف ابن أبي عون منهزمًا من العامة نظر إليها أهل عسكر أبي أحمد فوجّهوا في طلبها شبّارات، فأخذوها وأحرقوا سفينة فيها عرّادة لأهل بغداد وصار العامة من فورهم إلى دار عوْن لينهبوها، وقالوا: مايَلَ الأتراك، وأعانهم وانهزم بأصحابه، وكلّموا محمد بن عبد الله في صرفه وضجّوا، فوجّه المظفر بن سيسل في أصحابه، وأمره أن يصرِف العامة ويمنعهم أن يأخذوا لابن أبي عون شيئًا من متاعه، وأعلمهم أنه قد عزله عن أمر الشبّارات والبحريات والحرب، وصيّر ذلك إلى أخيه عبيد الله بن عبد الله، فمضى مظفّر، فصرف الناس عن دار محمد بن أبي عون.
وفي يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول وافَى عسكر الأتراك الشاخص من سامُرّا إلى بغداد عُكْبَراء، فأخرج ابن طاهر بندار الطبريّ وأخاه عبيد الله وأبا السنا ومزاحم بن خاقان وأسد بن داود سياه وخالد بن عمران وغيرهم من قُوّاده، فمضوا حتى بلغوا قُطْرُبّل، وفيها كمين الأتراك فأوقع بهم، ونشبت الحرب بينهم؛ فدفعهم الأتراك حتى بلغوا الحائطين بطريق قطْربّل، وقاتل أبو السنا وأسد بن داود قتالًا شديدًا، وقتل كلّ واحد منهما عدّة من الأتراك والمغاربة، ومال أبو السنا ميْلةً، وتبعه الناس، فقتل قائدًا من قوّاد الأتراك يقال له سور، ورُفع رأسه فصار من فوره إلى دار ابن طاهر، وأعلمه هزيمة الناس وسأله المدد، فأمر ابن طاهر به فطُوِّق - وكان وزن الأطواق كلّ طوق ثلاثين دينارًا، وكلُّ سوار سبعة مثاقيل ونصف - وانصرف أبو السنا راجعًا إلى الناس فيمن أخرج إليهم من المدد من جميع الأبواب، فذكر أن محمد بن عبد الله عنّف أبا السنا بإخلاله بموضعه ومجيئه نفسه بالرأس، وقال له: أخللتَ بالناس، فقبح الله هذا الرأس ومجيئك به!