ولما انصرف محمد بن عبدوس قاتل أسد بن داود أشدّ قتال بعد تفرُّق الناس عنه، فقتِل وثاب إلى موضعه قوم من أهل بغداد بعد ما أخذ الأتراك رأسه، فدافعوهم عن جثّته، فحملوه إلى بغداد في زورق، وبلغ الأتراك باب قُطْربُّل، فخرج الناس إليهم فدفعوهم عن الباب دفعًا شديدًا، واتبعوهم حتى نحّوْهم؛ فأتِي دار ابن طاهر بعدة رؤوس ممن قتل من الأتراك والمغاربة في هذا اليوم، فأمر بنصبها بباب الشماسية، فنصبت هنالك، ثم رجع الأتراك والمغاربة على أهل بغداد من ناحية قُطْربّل، فقتل من أهل بغداد خَلْق كثير، وقتل من الأتراك جمع كثير؛ ولم يزل بندار ومن معه يقاتلونهم حتى أمسوا، وانصرف بُندار بالناس، وغلّقت الأبواب، وأمر ابن طاهر المظفر بن سَيْسَل ورشيد بن كاوس، وقائدًا معهم فتوجّهوا في نحو من خمسمئة فارس من باب قُطْربُّل إلى ناحية عسكر ابن أشناس، فوافوْهم على حالِ سكون وأمْن، فقتلوا منهم نحوًا من ثلثمئة، وأسروا عدّة وانصرفوا.
وذُكر أنّ الأتراك والمغاربة وافوْا في هذا اليوم باب القطيعة، فنقَبوا نقبًا بقرب الحمام الذي يعرف بباب القطيعة، فقتِل أوّل مَنْ خرج منهم من النقب، وكان القتل في هذا اليوم أكثر في الأتراك والمغاربة والجراح بالسهام في أهل بغداد.
وسمعت جماعة يذكرون أنه حضر هذه الوقعة غلام لم يبلغ الحلم، ومعه مخلاة فيها حجارة ومِقلاع في يده، يرمي عنه فلا يخطئ وجوهَ الأتراك ووجوه دوابّهم، وأنّ أربعة من فرسان الأتراك الناشبة جعلوا يرمُونه فيخطئونه وجعل يرميهم فلا يخطئ، وتقطّر بهم دوابهم، فمضوا حتى جاؤوا معهم بأربعة من رجّالة المغاربة بأيديهم الرماح والتراس، فجعلوا يحملون عليه، ثم داخله اثنان منهم، فرمى بنفسه في الماء، ودخلا خلفه فلم يلحقاه، وعبر إلى الجانب الشرقي، وصِيحَ، وكبَّر الناس، فرجعوا ولم يصلوا إليه.
وذُكر أنّ عبيد الله بن عبد الله دعا القوّاد في هذا اليوم وهم خمسة نفر، فأمر كلَّ واحد منهم بناحية، ثم مضى الناس إلى الحرب، وانصرف هو إلى الباب؛ فقال لعبد الله بن جهم وهو موكّل بباب قُطْربُّل: إياك أن تَدَع منهم أحدًا يدخل منهزمًا من الباب، ونشبت الحرب، وتشتّت الناس، ووقعت الهزيمة؛ وثبت أسد بن داود؛ حتى قُتِل وقَتل بيده ثلاثة، ثم أتاه سهم غَرَب، فوقع في حلْقه