فولّى، وجاء سهم آخر فوقع في كَفَل دابته فشبّت به فصرعته؛ ولم يثبت معه أحد إلَّا ابنهَ، فجُرح، وكان إغلاق الباب على المنهزمين أشدَّ من عدوّهم، وحُمِل - فيما ذكر - إلى سامُرّا من أهل بغداد سبعون أسيرًا، ومن الرؤوس ثلثمئة رأس.
وذكر أنّ الأسرى لمّا قربوا من سامُرّا أمر الذي وجّه به معهم ألَّا يُدخلهم سامرّا إلَّا مغطِّي الوجوه، وأنّ أهل سامرّا لمَّا رأوْهم كثر ضجيجهم وبكاؤهم؛ وارتفعت أصواتهم وأصوات نسائِهم بالصُّرَّاخ والدعاء، فبلغ ذلك المعتزّ، فكره أن تغلظ قلوب مَنْ بحضرته من الناس عليه، فأمر لكل أسير بدينارين، وتقدّم إليهم بترك معاودة القتال، وأمر بالرؤوس فدفِنت.
وكان في الأسرى ابن لمحمد بن نصر بن حمزة وأخ لقُسطنطينَةَ جارية أم حبيب وخمسة من وجوه بغداد ممن كان في النظّارة، فأما ابن محمد بن نصر، فذكر أنه قُتِل وصلب بإزاء باب الشّماسيّة لمكان أبيه.
وفي يوم الخميس لأربع بَقِين من شهر ربيع الأول، قدم أبو الساج من طريق مكة في نحو من سبعمئة فارس ومعه ثمانية عشر محملًا فيها ستة وثلاثون أسيرًا من أسارى الأعراب في الأغلال، ودخل هو وأصحابه بغداد في زِيّ حسن وسلاح ظاهر، فصار إلى الدّار، فخلِع عليه خمس خِلع، وقلَّد سيفًا، وانصرف إلى منزله مع أصحابه، وقد خلع على أربع نفر من أصحابه.
وفي يوم الإثنين لانسلاخ شهر ربيع الأول، وافى باب الشّماسية - فيما قيل - جماعة من الأتراك، معهم من المعتزّ كتاب إلى محمد بن عبد الله: وسألوا إيصاله إليه، فامتنع الحسين بن إسماعيل من قبوله حتى استأمر؛ فأمر بقبوله؛ فوافَى يوم الجمعة ثلاثة فوارس، فأخرج إليهم الحسين بن إسماعيل رجلًا معه سيف وتُرس، فأخذ الكتاب من خريطة، فأخرج، فأوصله إلى محمد؛ فإذا فيه تذكير محمد بما يجب عليه من حفظه لقديم العهد بينه وبين المعتزّ والحرمة؛ وأن الواجب كان عليه أن يكون أوّل من سعى في أمره وتوجيه خلافته، وذكر أنّ ذلك أوّل كتاب ورد عليه من المعتزّ بعد الحرب.
وفي يوم السبت لخمس خلوْن من ربيع الآخر وافَى بغداد حَبْشون بن بغا الكبير ومعه يوسف بن يعقوب قوصرّة مولى الهادي فيمن كان مع موسى بن بغا من الشاكرّية، وانضمّ إليهم عامة الشاكريَّة المقيمين بالرّقة؛ وهم في نحو من ألف