للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وراجل من الملَطِيّين وجند انتخبوا من قيادات شتى، فقبضوا أنزالهم لليلتين بقيتا من جمادى، وساروا مع أبي السناء والجحاف على نهر كَرْخايا إلى المحوَّل، ثم إلى دمِمّا، ونزل الحسين بعسكره في موضع - يعرف بالقَطيعة - واسع يحتمل العسكر، فأقام فيه يومَه، ثم عزل على الرّحلة منه إلى قرب الأنبار، فأشار عليه رُشيد والقوَّاد أن يُنزل عسكره بهذا الموضع لسَعته وحَصَانته، ويسير هو وقوّاده في خيل جريدةً، فإن كان الأمر له كان قادرًا أن ينقل عسكره؛ وإن كان عليه انحاز إلى عسكره وراجع عدُوّه، فلم يقبل الرأي، وحملهم على المسير من موضعهم، فساروا، وبين الموضعين فرسخان أو نحوهما، فلما بلغوا الموضع الذي أراد الحسين النزول فيه، أمر الناس بالنزول؛ وكان جواسيس الأتراك في عسكر الحُسين، فساروا إليهم، وأعلموهم رحلة الحسين، وضيق العسكر بالموضع الذي نزل فيه، فوافوْهم والناس يحطُّون أثقالهم، فسار أهل العسكر، ونادوْا السلاح، فصافّوهم، فكانت بينهم قتلَى من الفريقين، وحمل أصحاب الحسين عليهم فكشفوهم كشفًا قبيحًا، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وغرق منهم خلق كثير في الفرات، وكان الأتراك قد كمنوا قومًا، فخرج الكمين عند ذلك على بقيّة العسكر، فلم يكن لهم ملجأ إلَّا الفرات، وغرق من أصحاب الحسين خلق كثير، وقُتِل جماعة وأسرَ من الرجّالة جماعة؛ وأما الفرسان فضربُوا دوابّهم هُرّابًا لا يلوون على شيء، والقوّاد ينادونهم يسألونهم الرَّجْعة، فلم يرجع منهم أحد، وأبلى محمد بن رجاء ورُشيد يومئذ بلاء حسنًا، ولم يكن لمن انهزم معقل دون الياسريّة على باب بغداد، فلم يملك القوَّاد أمور أصحابهم، فأشفقوا حينئذ على أنفسهم، فانثنوْا راجعين وراءهم، يحمونهم من أدبارهم أن يتبعوا، وحوَى الأتراك جميع عسكر الحسين بما فيه من المضارب وأثاث الجند وتجارات أهل السوق؛ وكان معه في السفن سلاح سلِم؛ لأن الملّاحين حَرزُوا سفنهم، فسلِم ما كان معهم من السلاح ومن تجارات التجّار.

وذكر عن ابن زنبور كاتب الحسين أنه أخِذ للحسين اثنا عشر صندوقًا فيها كسوة ومال من مال السلطان مبلغه ثمانيةُ آلاف دينار، ونحو من أربعة آلاف دينار لنفسه، ونحو من مئة بغل؛ وانتهب فروضُ الحسين مضارب الحسين وأصحابه، وطاروا مع مَنْ طار، فوافوا الياسريّة؛ وكان أكثر النهب مع أصحاب أبي السنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>