المعتزّ ليلًا، ومعه أحمد بن إسرائيل إلى كرْخ سامرّا يريد بايكباك ومَنْ كان معه على مثل ما هو عليه من انحرافه عن بُغا، وكان سببُ انحرافه عنه - فيما ذكر - أنهما كانا في شراب لهما يشربانه، فعربَد أحدُهما على صاحبه؛ فتهاجرا لذلك؛ وكان بايكباك بسبب ذلك هاربًا من بُغا مستخفيًا منه؛ فلما وافَى المعتزّ بمَنْ معه الكرْخ اجتمع من بايكباك أهلُ الكَرْخ وأهل الدُّور، ثم أقبلوا مع المعتزّ إلى الجوسق بسامُرّا؛ وبلغ ذلك بُغا، فخرج في غلمانه وهم زُهاء خمسمئة ومثلهم من ولده وأصحابه وقوّاده، وصار إلى نهر نَيْزك، ثم انتقل إلى مواضع، ثم صار إلى السنّ، ومعه من العين تسع عشرة بَدْرة دنانير ومئة بَدْرة دراهم؛ أخذها من بيت ماله وبيوت أموال السلطان؛ فأنفق منها شيئًا يسيرًا حتى قُتِل.
وذكر أنه لما بلغه أن المعتزّ قد صار إلى موضع الكرْخ مع أحمد بن إسرائيل خرج في خاصّة قوّاده حتى صار إلى تَلّ عُكْبَراء، ثم مضى فصار إلى السنّ؛ فشكا أصحابُه بعضُهم إلى بعض ما هم فيه من العسف، وأنهم لم يخرجوا معهم بمضارب، ولا ما يتدفّئون به من البرد، وأنهم في شتاء، وكان بُغا في مضرب له صغير على دِجْلة، كان يكون فيه، فأتاه ساتكين، فقال: أصلح الله الأمير! قد تكلّم أهل العسكر، وخاضوا في كذا وأنا رسولهم إليك، فقال: كلّهم يقول مثل قولك؟ قال: نعم؛ وإن شئت فابعثْ إليهم حتى يقولوا مثل قولِي، قال: دعْني الليلة حتى أنظر، ويخرج إليكم أمري بالغَداة، فلما جنّ عليه الليل دعا بزَوْرق، فركبه مع خادمين معه، وحمل معه شيئًا من المال، ولم يحمل معه سلاحًا ولا سِكَينًا ولا عمودًا، ولا يعلم أهل عسكره بذلك من أمره، والمعتزّ في غَيْبة بُغا لا ينام إلَّا في ثيابه، وعليه السلاح، ولا يشرب نبيذًا، وجميع جواريه على رجل، فصار بُغا إلى الجسر في الثلث الأوّل من الليل؛ فلما قارب الزّورق الجسر بعث الموكّلون به مَن في الزّوْرق، فصاح بالغلام، فرجع إليهم، وخرج بُغا في البستان الخاقانيّ، فلحقه عدّة منهم؛ فوقف لهم وقال: أنا بُغا، ولحقه وليد المغربيّ، فقال له: ما لك جعلت فداك! فقال: إما أن تذهب بي إلى منزل صالح بن وصيف، وإما أن تصيروا معي إلى منزلي؛ حتى أحسن إليكم، فوكّل به وليد المغربيّ، ومرّ يركض إلى الجوْسق، فاستأذن على المعتزّ فأذن له، فقال: يا سيدي هذا بُغا قد أخذته ووكّلت به، قال: ويلك! جئني برأسه؛ فرجع