للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعقوب كرْمان واستيلائه عليها، ورجع إليه الفَلّ، فأيقن بإقبال يعقوب إلى فارس؛ وعليّ يومئذ بشِيراز من أرض فارس، فضمّ إليه جيشه ورجّالة الفلّ من عند طَوْق وغيرهم، وأعطاهم السلاح، ثم برز من شِيراز، فصار إلى كُرّ خارج شيراز بين آخر طرفه عرضًا ممّا يلي أرض شِيراز، وبين عَرْض جبل بها من الفضاء قدرُ ممرّ رجل أو دابة، لا يمكن من ضيقه أن يمرّ فيه أكثر من رجل واحد، فأقام في ذلك الموضع، وضرب عسكره على شطّ ذلك الكُرّ مما يلي شِيراز، وأخرج معه المتسوّقة والتجار من مدينة شِيراز إلى مُعسكره، وقال: إن جاء يعقوب لم يجد موضعًا يجوز الفلاة إلينا؛ لأنه لا طريق له إلَّا الفضاء الذي بين الجبل والكرّ؛ وإنما هو قدر ممرّ رجل؛ إذا أقام عليه رجل واحد منع من يريد أن يجوزه، وإن لم يقدر أن يجوز إلينا بقي في البرّ بحيث لاطعام له ولا لأصحابه ولا علَف لدوابهم.

قال ابن حماد: فأقبل يعقوب حتى قَرُب من الكُرّ، فأمر أصحابه بالنزول أوّل يوم على نحو من ميل من الكُرّ مما يلي كِرْمان، ثم أقبل هو وحده وبيده رمح عُشارِيّ؛ يقول ابن حماد: كأني أنظر إليه حين أقبل وحدَه على دابته، ما معه إلَّا رجل واحد، فنظر إلى الكُرّ والجبل والطريق، وقرب من الكرّ، وتأمل عسكر عليّ بن الحسين، فجعل أصحاب علي يشتمونه؛ ويقولون: لنردنّك إلى شَعْب المراجل والقماقم، يا صفّار - وهو ساكت لا يردّ عليهم شيئًا - قال: فلمّا تأمل ما أراد من ذلك ورآه، انصرف راجعًا إلى أصحابه: قال: فلمّا كان من الغد عند الظهر أقبل بأصحابه ورجاله حتى صار على شطّ كُرّ مما يلي بَرّكِرمان، فأمر أصحابه فنزلوا عن دوابهم، وحطُّوا أثقالهم، قال: ثم فتح صندوقًا كان معه.

قال ابن حماد: كأني أنظرُ إليهم وقد أخرجوا كلبًا ذئبيًّا، ثم ركبوا دوابّهم أعراء، وأخذوا رماحهم بأيديهم، قال: وقبل ذلك كان قد عبّأ عليّ بن الحسين أصحابَه، فأقامهم صفوفًا على الممرّ الذي بين الجبل والكُرّ؛ وهم يرون أنه لا سبيل ليعقوب، ولا طريق له يمكنه أن يجوزه غيره. قال: ثم جاؤوا بالكلب، فرموا به في الكُرّ، ونحن وأصحاب عليٍّ ينظرون إليهم يضحكون منهم ومنه، قال: فلما رموا بالكلب فيه، جعل الكلب يسبَحُ في الماء إلى جانب عسكر عليّ بن الحسين، وأقحم أصحاب يعقوب دوابّهم خلْف الكلب، وبأيديهم

<<  <  ج: ص:  >  >>