موته؛ وكان سبب خلعه - فيما ذكر - أن الكتَّاب الذي ذكرنا أمرهم، لمَّا فعل بهم الأتراك ما فعلوا، ولم يُقرُّوا لهم بشيء، صاروا إلى المعتزّ يطلبون أرزاقهم، وقالوا له: أعطِنا أرزاقنا حتى نقتُل لك صالح بن وصيف، فأرسل المعتزّ إلى أمه يسألها أن تعطيَه مالًا ليعطيَهم، فأرسلت إليه: ما عندي شيء، فلما رأى الأتراك ومَنْ بسامُرّا من الجند أن قد امتنع الكُتَّاب من أن يُعطوهم شيئًا، ولم يجدوا في بيت المال شيئًا، والمعتزّ وأمه قد امتنعا من أن يَسْمَحا لهم بشيء؛ صارت كلمة الأتراك والفراغنة والمغاربة واحدةً، فاجتمعوا على خَلْع المعتزّ، فصاروا إليه لثلاث بَقِين من رجب؛ فذكر بعض أسباب السلطان أنه كان في اليوم الذي صاروا إليه عند نحرير الخادم في دار المعتز، فلم يَرعْه إلا صياح القوم من أهل الكَرْخ والدُّور، وإذا صالح بن وصيف وبايكباك ومحمد بن بُغا المعروف بأبي نصر، قد دخلوا في السلاح، فجلسوا على باب المنزل الذي ينزله المعتزّ، ثم بعثوا إليه: اخرُج إلينا، فبعث إليهم: إني أخذت الدّواء أمس، وقد أجفلني اثنتي عشرة مرّة؛ ولا أقدر على الكلام من الضعف؛ فإن كان أمرًا لابدّ منه، فليدخل إليّ بعضُكم فَلْيُعْلِمْني وهو يرى أن أمره واقف على حاله، فدخل إليه جماعة من أهل الكَرْخ والدّور من خلفاء القُوّاد، فجرّوا برجْلِه إلى باب الحُجْرة؛ قال: وأحسبهم كانوا قد تناولوه بالضّرْب بالدبابيس، فخرج وقميصه مخرّق في مواضح، وآثار الدم على منكبِه، فأقاموه في الشمس في الدار في وقت شديد الحرّ، قال: فجعلتُ أنظر إليه يرفعُ قدمه ساعة بعد ساعة من حرارة الموضع الذي قد أقيم فيه، قال: فرأيتُ بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده، وجعلوا يقولون: اخلعْها، فأدخلوه حجرَة على باب حجرة المعتزّ كان موسى بن بُغا يسكنها حين كان حاضرًا، ثم بعثوا إلى ابن أبي الشوارب، فأحضروه مع جماعة من أصحابه؛ فقال له صالح وأصحابه: اكتبْ عليه كتاب خَلْع، فقال: لا أحسنه؛ وكان معه رجل أصبهانيّ، فقال: أنا أكتب، فكتب وشهدوا عليه وخرجوا، وقال ابن أبي الشوارب لصالح: قد شهدوا أنّ له ولأخته وابنه وأمه الأمان، فقال صالح بكفّه: أي نعم؛ ووكلوا بذلك المجلس وبأمّه نساء يحفظنها.