للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبابنها، فاحتالت للهرب وجهًا، فحفرت سَرَبًا من داخل القصر من حجرة لها خاصّة ينفذ إلى موضع يفوت التفتيش، فلمّا علمت بالحادثة بادرت من غير تلبّث ولا تلوّم؛ حتى صارت في ذلك السَّرَب، ثم خرجت من القَصْر؛ فلما فرغ الذين شغبوا في أمر ابنها مما أرادوا إحكامَه؛ فصاروا إلى طلبها غير شاكّين في القدرة عليها، وجدوا القصر منها خاليًا، وأمْرَها عنهم مستترًا؛ لا يقفون منه على شيء؛ ولا ما يؤديهم إلى معرفته؛ حتى وقفوا على السَّرَب، فعلموا حينئذ أنهم منه أوتوا فسلكوه؛ وانتهوا إلى موضع لا يُوقف منه على خبر ولا أثر، فأيقنوا بالفَوْت، ثم رجموا الظّنُون؛ فلم يجدوا لها معقلًا أعزّ ولا أمنع إن هي لجأت إليه من حبيبَ حرّة موسى بن بغا التي تزوّجها من جواري المتوكل، فأحالوا على تلك الناحية، وكرهوا التعرّض لشيء من أسبابها، ووضعوا العيون والأرصاد عليها، وأظهروا التوعّد لمن وقفوا على معرفة بأمرها؛ ثم لم يُظهرْهم عليها؛ فلم يزل الأمر منطويًا عنهم؛ حتى ظهرت في شهر رمضان؛ وصارت إلى صالح بن وصِيف، ووسَّطت بينها وبين صالح العطَّارة؛ وكانت تثِق بها؛ وكانت لها أموال ببغداد، فكتبت في حَمْلِها، فاستخرج وحُمِل منها إلى سامُرّا.

فذُكِر أنه وافَى سامُرّا يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلَتْ من شهر رمضان من هذه السَّنَة قدر خمسمئة ألف دينار، ووقَعُوا لها على خزائن ببغداد، فوجّه في حملها، فاستخرج وحمل منها، فحمل إلى السلطان من ذلك متاعٌ كثير، وأحيل من ببغداد من الجند والشاكرية المرتزقة بمال عظيم عليه ولم تزل تُباع تلك الخزائن متّصلًا ببغداد وسامُرّا عدّة شهور؛ حتى نفذت.

ولم تزل قبيحة مقيمة إلى أن شخص الناس إلى مكة في هذه السنة، فسُيّرت إليها مع رجاء الربابيّ ووحَش مولى المهتدي؛ فذُكِر عمّن سمعها في طريقها وهي تدعو الله على صالح بن وصيف بصوتٍ عالٍ وتقول: اللهم أخز صالح بن وصيف؛ كما هتك ستري، وقتل ولدي، وبدّد شملي، وأخذ مالي، وغرّبني عن بلدي، وركب الفاحشة مني! فانصرف الناس عن الموسم واحتبست بمكة.

وذكر أنّ الأتراك لما تحركوا، وثاروا بالمعتزّ أرسلوا إليه يطلبون منه خمسين ألف دينار؛ على أن يقتلوا صالحًا؛ ويستوي لهم الأمر، فأرسل إلى أمه يعلمها

<<  <  ج: ص:  >  >>