فخرج محمد متنكرًا؛ فلما كان الغد من ذلك اليوم غدَا محمد بن أوس إلى دار سليمان، وغدا الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال مولى طاهر، وحضر الناس باب سليمان؛ وكان بين مَنْ حضر من أصحاب ابن أوس وبين النائبة محادثة، علت فيها الأصوات؛ فتبادر أصحابُ ابن أوس والقادمون إلى الجزيرة، وعبر إليهم ابن أوس وولده؛ وتصايح الناس بالسلاح، وخرج الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال والمظفر بن سيسل في أصحابهم، وصاح الناس بالعامة: مَنْ أراد النَهب فليلحق بنا؛ فقيل: إنه عبر الجسرين من العامة في ذلك الوقت مئة ألف إنسان في الزَّواريق، وتوافَى الجند والشاكرية بالسلاح؛ فوافى أوائل الناس الجزيرة؛ فلم يكن إلّا قدر اللحظة حتى حمل رجل من أهل سَرَخس على الكبير من ولد محمد بن أوس، وطعنه فأرْداه عن شهريّ كان تحته؛ ثم أخذته السيوف فانهزم عنه أصحابه، فلم يعمل أحد منهم شيئًا، وسُلب الجريح وحمل في زورق، حتى عُبِر به إلى دار سليمان بن عبد الله بن طاهر، فألقي هناك.
فذكر بعضُ مَنْ حضر سليمانَ، أنه لما رآه اغرورقت عيناه من الدمع، ومهّد له، وأحضِر له الأطباء، ومضى ابن أوس من وجهه إلى منزله؛ وكان ينزل في دار لآل أحمد بن صالح بن شيرزاد بالدّور، مما يلي قصر جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، وجدّ أهلُ بغداد في آثارهم والموّاد معهم حتى تلقوْهم، فكانت بينهم وقعة بالدور؛ أولها في آخر الساعة الثانية وآخرها في أوّل الساعة السابعة؛ فلم يزالوا يتراشقُون بالنّشاب، ويتطاعنون بالرِّماح، ويتخابطون بالسيوف، وأعان ابنَ أوس جيرانه من أهل سويقة قُطوطا وأصحاب الزَّواريق من ملَّاحي الدور، واشتدَّت الحرب ووجّه أهلُ بغداد يطلبون نفَّاطين من دار سليمان، فذكروا أنّ حاجبه دخل، فأعلمه ذلك؛ فأمر بمنعهم منه؛ وقاتل ابنُ أوس قتالًا شديدًا، فناله جِراحٌ من سهام وطعن، فانهزم وأصحابه؛ وقد كان أخرج حرمه من داره؛ فلم يزل أهلُ بغداد يتبعونهم حتى أخرجوهم من باب الشّماسية، ووصل الناس إلى منزل ابن أوس؛ فانتهبوا جميعَ ما كان فيه؛ فذُكِر أنه انتهب له بقيمة ألفي ألف درهم؛ والمقلِّل يقول: ألف ألف وخمسين ألفًا؛ وأنه انتهب له زُهاء مئة سرأويل مبطّن بسمّور؛ سوى ما كان مبطَّنًا بغيره من الوبَر مما يشاكل ذلك؛ وانتهب له من الفرش الطبريّ الخام والمقصور والمدرج والمقطوع