ثم إن موسى افتتح خراج سنة ست وخمسين ومئتين يوم الأحد مستهلّ شهر رمضان سنة ستٍّ وخمسين ومئتين، فاجتنى - فيما ذكر - في يوم الأحد قدر خمسمئة ألف درهم، فاجتمع أهل الرّي، فقالوا، أعزّ الله الأمير! إنك تزعم أنّ الموالي يرجعون إلى سامُرّا لما يقدّرونه من كثرة العطاء هناك، وأنت وأصحابُك في أكثر وأوسع مما القوم هناك فيه؛ فإن رأيتَ أن تسدّ هذا الثغر، وتحتسب في أهله الأجر والثواب، وتلزمنا من خراجنا في خاصِّ أموالنا لمن معك ما ترى أن نحتمله فعلت، فلم يُجبهم إلى ما سألوا فقالوا: أصلح الله الأمير! فإذا كان الأمير عزم على تركنا، والانصراف عنا، فما معنى أخذنا بالخراج لسنة لم نبتدئ بعمارتها؛ وأكثر غلة سنة خمس وخمسين ومئتين؛ التي قد أخذ الأمير خراجها في الصحارى لا يمكننا الوصول إليها إن رحل الأمير عنا! فلم يلتفت إلى شيء مما وصفوه له، وسألوه إياه.
واتصل خبرُ انصرافه بالمهتدي، فكتب إليه في ذلك كتبًا كثيرة، لم تؤثر أثرًا، فلما انتهى إليه قفول موسى من الرّيّ، ولم تغن الكتب شيئًا وجَّه رجلين من بني هاشم، يقال لأحدهما: عبد الصمد بن موسى، ويعرف الآخر بأبي عيسى يحيى بن إسحاق بن موسى بن عيسى بن عليّ بن عبد الله بن عباس، وحُمّلا رسالة إلى موسى وإلى من ضمّ عسكره من الموالي، يصدقهم فيها عن الحال بالحضْرة وضيق الأموال بها، وما يُحاذر من ذهاب ما يخلفونه وراء ظهورهم، وغلبة المطالبين عليه واتساع آثارهم إلى ناحية الجبل، فشخص بذلك الهاشميان في جماعة من الموالي [وأتباعهم من الديلم] وأقبل موسى ومن معه، وصالح بن وصيف في ذلك يعظم على المهتدي انصرافه، وينسبه إلى المعصية والخلاف، ويبتهل عليه في أكثر ذلك، ويبرأ إلى الله من فعله.
فذكر: أن كتاب صاحب البريد بهَمذَان لمّا ورد على المهتدي بفصُول موسى عنها، رفع المهتدي يديه إلى السماء، ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: اللهمّ إني أبرأ إليك من فعل موسى بن بُغا وإخلاله بالثّغر وإباحته العدوّ؛ فإني قد أعذرت إليه فيما بيني وبينه، اللهم تولّ كيد مَنْ كايد المسلمين، اللهم انصر جيوش المسلمين حيث كانوا، اللهم إني شاخص بنيّتي واختياري إلى حيث نكب