وافى المحمديّة، فقعد على النهر، وأمر الناس فشربوا منه، وتَوافَى إليه أصحابُه، فقال له عليّ بن أبان: قد كنا نرى من ورائنا بارقةً ونسمع حسّ قوم يتبعوننا، فلسنا ندري: أرجعوا عنا أم هم قاصدون إلينا؟ فلم يستتمّ كلامه حتى لحق القوم، وتنادى الزنج السلاح، فبدرِ مفرّج النوبيّ المكنى بأبي صالح، وريحان بن صالح، وفتح الحجام - وكان فَتْح يأكل - فلما نهض تناول طبقًا كان بين يديه، وتقدّم أصحابه فلقيه رجل من الشورجيّين، يقال له: بلبل، فلمّا رآه فَتْح حمل عليه وحذَفه بالطبق الذي كان في يده، فرمى بلبل بسلاحِه، وولّى هاربًا، وانهزم أصحابه، وكانوا أربعة آلاف رجل، فذهبوا على وجوههم، وقُتِل مَنْ قُتِل منهم، ومات بعضهم عطشًا وأسِرَ منهم قوم فأتِيَ بهم صاحب الزّنج، فأمر بضرب أعناقهم فضربت، وحملت الرؤوس على بغال كان أخذَها من الشورجيّين، كانت تنقل الشورج؛ ومضى حتى وافى القادسيّة، وذلك وقت المغرب، فخرج من القرية رجل من موالي بعض الهاشميين على أصحابه، فقتل رجلًا من السودان، فأتاه الخبر، فقال له أصحابه: ائذن لنا في انتهاب القرية وطلب قاتل صاحبنا، فقال: لا سبيلَ إلى ذلك دون أن نعرف ما عند القوم، وهل فعل القاتل ما فعل عن رأيهم، ونسألهم أن يدفعوه إلينا، فإن فعلوا وإلا ساغ لنا قتالُهم.
وأعجلهم المسير، فصاروا إلى نهر ميمون راجعين، فأقام في المسجد الذي كان أقام فيه في بدأته وأمر بالرؤوس المحمولة معه فنُصبت، وأمر بالأذان أبا صالح النوبيّ فأذّن، وسلم عليه بالإمْرَة، فقام فصلى بأصحابه العشاء الآخرة، وبات ليلته بها، ثم مضى من الغد حتى مرّ بالكرخ فطواها، وأتى قرية تعرف بجُبَّى، في وقت صلاة الظهر، فعبر دُجَيلا من مخاضة دلّ عليها، ولم يدخل القرية، وأقام خارجًا منها، وأرسل إلى مَنْ فيها، فأتاه كبراؤهم وكبراء أهل الكَرْخ، فأمرهم بإقامة الأنزال له ولأصحابه فأقيم له ما أراد، وبات عندهم ليلتَه تلك، فلما أصبح أهدى له رجل من أهل جُبَّى فرسًا كُميتًا، فلم يجد سرْجًا، ولا لجامًا، فركبه بحبل وسَنَفه بليف، وسار حتى انتهى إلى المعروف بالعباسيّ العتيق، فأخذ منه دليلًا إلى السِّيب، وهو نهر القرية المعروفة بالجعفريّة، ونذر به أهل القرية، فهربوا عنها، ودخلها فنزل دار جعفر بن