رُميسًا بشاطئ دِجْلة يطلب رجُلًا يؤدِّي عنه رسالة، فوجّه إليه عليّ بن أبان ومحمد بن سلم وسليمان بن جامع، فلما أتوْه قال لهم: اقرؤوا على صاحبكم السلام، وقولوا له: أنت آمن على نفسك حيث سلكت من الأرض؛ لا يعرض لك أحدٌ، واردد هؤلاء العبيد على مواليهم، وآخذ لك عن كلّ رأسٍ خمسة دنانير، فأتوْه فأعلموه ما قال لهم رُميس، فغضب من ذلك، وآلى ليرجعنّ فليبقرنّ بطن امرأة رُميس، وليحرقنّ داره، وليخوضنّ الدماء هنالك، فانصرفوا إليه، فأجابوه بما أمِرُوا به، فانصرف إلى مقابل الموضع الذي هو به من دِجْلة، فأقام به، فوافاه في ذلك اليوم إبراهيم بن جعفر المعروف بالهمْدانيّ؛ ولم يكن لحق به إلا في ذلك الوقت، وأتاه يكتب فقرأها، فلما صلى العشاء الآخرة، أتاه إبراهيم، فقال له: ليس الرّأي لك إتيان المذار، قال: فما الرأي؟ قال: ترجع، فقد بايع لك أهل عبّادان ومَيَان رُوذان وسليمانان، وخلّفت جمعًا من البلالية بفوّهة القَنْدل وأبرسان ينتظرونك، فلمّا سمع السودان ذلك من قول إبراهيم مع ما كان رُمَيس عَرَض عليه في ذلك اليوم خافوا أن يكونَ احتال عليهم ليردّهم إلى مواليهم، فهرب بعضُهم، واضطرب الباقون، فجاءه محمد بن سلْم فأعلمه اضطرابَهم، وهرَب مَنْ هرب منهم، فأمر بجمعهم في ليلته تلك، ودعا مصلحًا، وميّز الزّنج من الفراتية، ثم أمر مصلحًا أن يعلمهم أنه لا يردّهم ولا أحدًا منهم إلى مواليهم، وحلف لهم على ذلك بالأيمان الغِلاظ، وقال: لِيَحُطْ بي منكم جماعة، فإن أحسّوا مني غدرًا فتكُوا بي (١) ثم جمع الباقين؛ وهم الفراتيّة والقرماطيّون والنوبة وغيرهم ممن يفصح بلسان العرب، فحلف لهم على مثل ذلك، وضمن ووثّق من نفسه، وأعلمهم أنه لم يخرج لعَرَض من أعراض الدنيا، وما خرج إلا غضبًا لله، ولمّا رأى ما عليه الناس من الفساد في الدين، وقال: ها أنا ذا معكم في كلّ حرب، أشرككم فيها بيدي، وأخاطر معكم فيها بنفسي، فرضوا ودعوْا له بخير، فلمّا أسحر أمر غلامًا من الشورجيّين يكنى أبا مَنارة، فنفخ في بوق لهم كانوا يجتمعون بصوته، وسار حتى أتى السِّيب راجعًا، فألفَى هناك الحميريَ ورُميْسًا وصاحب ابن أبي عون، فوجّه إليهم مشرقًا برسالة أخفاها، فرجع إليه بجوابها، فصار صاحب الزّنج إلى النهر، فتقدم