فسلّم عليه وعرفه، وسأله عن البلاليّة، فقال: إنما أتيتُك برسالتهم، فلقيني السودان، فأتوْك بي، وهم يسألونك شروطًا إذا أعطيتَهم إياها سمعوا لك وأطاعوا، فأعطاه ما سأل لهم، وضمن القيام له بأمرهم؛ حتى يصيروا في حيّزه، ثم خلّى سبيله، ووجّه معه مَنْ صيّره إلى الفيّاض، ورجع عنه، فأقام أربعة أيام ينتظره؛ فلم يأته، فسار في اليوم الخامس وقد سرّح السفن التي كانت معه في النهر، وأخذ هو على الظهر فيما بين نهر يقال له: الدّاورْدانيّ والنهر المعروف بالحسَنيّ والنهر المعروف بالصالحي، فلم يتعدّ حتى رأى خيلًا مقبلة من نحو نهر الأمير زهاء ستمئة فارس، فأسرع أصحابُه إلى النهر الدَّاوردانيّ، وكان الخيل في غربية، فكلَّموهم طويلًا، وإذا هم قوم من الأعراب فيهم عنترة بن حجنا، وثمال، فوجّه إليهم محمد بن سلم، فكلّم ثمالًا وعنترة، وسألا عن صاحب الزَّنج، فقال: ها هو ذا، فقال: نريد كلامَه، فأتاه فأخبره بقولهما، وقال له: لو كلّمتَهما! فزجره، وقال: إنّ هذا مكيدة، وأمر السودان بقتالهم، فعَبرُوا النهر، فعدلت الخيل عن السودان، ورفعوا علمًا أسود، وظهر سليمان أخو الزينبيّ - وكان معهم - ورجع أصحاب صاحب الزَّنْج، وانصرف القوم، فقال لمحمد بن سلم: ألم أعلمك أنهم إنما أرادوا كيدَنا!
وسار حتى صار إلى دُبّا، وانبثّ أصحابه في النخل، فجاؤوا بالغنم والبقر، فجعلوا يذبحون ويأكلون، وأقام ليلته هناك؛ فلمّا أصبح سار حتى دخل الأرخنج المعروف بالمطّهريّ، وهو أرخنج ينفذ إلى نهر الأمير المقابل للفيّاض من جانبيه، فوجدوا هناك شهاب بن العلاء العنبريّ، ومعه قوم من الخَول، فأوقعوا به، وأفلت شهاب في نُفَير ممن كان معه، وقُتِل من أصحابه جماعة، ولحق شهاب بالمنصف من الفيّاض، ووجد أصحاب صاحب الزّنج ستمئة غلام من غلمان الشورجيّين هناك، فأخذوهم، وقتلوا وكلاءهم، وأتوْه بهم، ومضى حتى انتهى إلى قصر يعرف بالجوهريّ على السَّبَخة المعروفة بالبرامكة، فأقام فيه ليلَته تلك؛ ثم سار حيث أصبح حتى وافى السَّبَخة التي تُشرَع على النهر المعروف بالديناريّ، ومؤّخرها يُفضي إلى النهر المعروف بالمحدث، فأقام بها، وجمع أصحابه، وأمرهم ألا يعجّلوا بالذهاب إلى البصرة حتى يأمرهم وتفرّق أصحابُه في انتهاب كلّ ما وجدوا وبات هناك ليلته تلك.