أبي العباس هذا، فصفّ لهما أصحابه، ودعا بهما؛ فأدّى إليه عمران رسالة ابن أبي عون، وسأله أن يعبر بيانًا ليفارق عمله، وأعلمه أنه قد نحّى الشذَا عن طريقه، فأمر بأخذ السفن التي تخترق بَيَانًا من جُبَّى، فصار أصحابه إلى الحجر، فوجدوا في سُلبان مئتي سفينة، فيها أعدال دقيق، فأخِذَتْ، ووُجد فيها أكسية وبرّكانات، وفيها عشرة من الزَّنْج، وأمر الناس بركوب السفن، فلما جاء المدّ وذلك في وقت المغرب - عبر وعبر أصحابه حيال فُوّهة القندل، واشتدّت الريح، فانقطع عنه من أصحابه المكنّى بأبي دلف، وكان معه السفن التي فيها الدقيق؛ فلمّا أصبح وافاه أبو دلف فأخبره أن الرّيح حملته إلى حسك عِمْران، وأن أهل القرية همُّوا به؛ وبما كان معه، فدفعهم عن ذلك، وأتاه من السودان خمسون رجلًا، فسار عند موافاة السفن والسودان إياه حتى دخل القَنْدل، فصار إلى قرية للمعَلَّى بن أيوب، فنزلها، وانبثّ أصحابه إلى دُبّا، فوجدوا هناك ثلثمئة رجل من الزَّنْج، فأتوْه بهم، ووجدوا وكيلًا للمعلّى بن أيوب، فطالبه بمال، فقال: اعبُر إلى برسان، فآتيك بالمال، فأطلقه، فذهب ولم يَعُد إليه؛ فلما أبطأ عليه أمر بانتهاب القرية فانتُهبت.
قال ريحان - فيما ذكر عنه: فلقد رأيتُ صاحب الزَّنج يومئذ ينتهب معنا، ولقد وقعتْ يدي ويده على جبّة صوف مُضرّبة؛ فصار بعضها في يده وبعضها في يدي، وجعل يجاذبني عليها حتى تركتُها له، ثم سار حتى صار إلى مسلحة الزينبيّ على شاطئ القَنْدَل في غربيّ النهر، فثبت له القوم الذين كانوا في المسلحة: وهم يروْن أنهم يطيقونه، فعجزوا عنه؛ فقتِلوا أجمعين؛ وكانوا زُهاء مئتين، وبات ليلته في القَصْر، ثم غدا في وقت المدّ قاصدًا إلى سَبَخة القَنْدل، واكتنف أصحابه حافتي النهر، حتى وافوا مُنْذُران، فدخل أصحابه القرية فانتهبوها، ووجدوا فيها جمعًا من الزَّنج، فأتوه بهم، ففرّقهم على قوّاده، ثم صار إلى مؤخّر القَنْدل، فأدخل السفن النهر المعروف بالحَسَني النافذ إلى النهر المعروف بالصالحيّ؛ وهو نهر يؤدي إلى دُبَّا، فأقام بسبَخةٍ هناك.
فذكر عن بعض أصحابه أنه قال: هاهنا قوّد القوّاد؛ وأنكر أن يكون قوّد قبل ذلك، وتفرّق أصحابُه في الأنهار حتى صاروا إلى مربّعةِ دُبَّا، فوجدوا رجلًا من التمّارين من أهل كلّاء البصرة، يقال له: محمد بن جعفر المُريديّ، فأتوه به،