ثم ذكر ما صار إليه من أموال الكتّاب، وقال: إنّ عِلْم ذلك عند الحسن بن مَخْلَد، وهو أحدهم، وهو في أيديكم، ثم ذكر من وصل إليه ذلك المال وتولى تفريقه، وذكر ما صار إليه من أمر قبيحة، وأشار إلى أن علم ذلك عند أبي صالح بن يزداد وصالح العطار، ثم ذكر أشياء في هذا المعنى، بعضها يعتذر به وبعضها يحتجّ به، ومخرج القول في ذلك يدلّ على قوّة في نفسه.
فلما فَرغ سليمان من قراءة الكتاب وصله المهتدي بقول منه يحثُّ على الصلح والهدنة والألفة والاتفاق، ويكرّه إليهم الفرقة والتفاني والتباغض، فدعا ذلك القوم إلى تُهمته، وأنه يعلم بمكان صالح، وأنه يتقدّمهم عنده، فكان بينهم في ذلك كلام كثير ومناظرات طويلة، ثم أصبحوا يوم الخميس لليلتين بقيتا من المحرّم سنة ست وخمسين ومئتين، فصاروا جميعًا إلى دار موسى بن بغا في داخل الجوسق يتراطنون ويتكلمون، واتصل الخبر بالمهتدي.
فذكر عن أحمد بن خاقان الواثقيّ أنه قال: من ناحيتي انتهى الخبر إلى المهتدي؛ وذلك أني سمعت بعض مَنْ كان حاضر المجلس وهو يقول: جمع القوم على خلع الرجل.
قال: فصرت إلى أخيه إبراهيم، فأعلمته بذلك، فدخل عليه فأعلمه ذلك، وحكاه عني؛ فلم أزل خائفًا أن يعجل أمير المؤمنين فيخبرهم عني بالخبر، فرزق الله السلامة.
وذكر أن أخا بايكباك قال لهم في هذا المجلس لما أطلعوه على ما كانوا عزموا عليه: إنكم قتلتم ابن المتوكل، وهو حسن الوجه، سخيّ الكف، فاضل النفس، وتريدون أن تقتلوا هذا وهو مسلم يصوم ولا يشرب النبيذ من غير ذنب! والله لئن قتلتم هذا لألْحَقنّ بخراسان، ولأشيعنّ أمركم هناك.
فلما اتصل الخبر بالمهتدي خرج إلى مجلسه متقلّدًا سيفًا، وقد لبس ثيابًا نظافًا، وتطيّب، ثم أمر بإدخالهم إليه، فأبوْا ذلك مليًّا، ثم دخلوا عليه، فقال لهم: إنه قد بلغني ما أنتم عليه من أمري؛ ولستُ كَمَنْ تقدّمني مثل أحمد بن محمد المستعين، ولا مثل ابن قبيحة؛ والله ما خرجت إليكم إلّا وأنا متحنّط، وقد أوصيتُ إلى أخي بولدي، وهذا سيفي؛ والله لأضربنّ به ما استمسك قائمهُ