للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخراج، وكثر كلامهم في ذلك، فقال لهم أبو القاسم عبد الله بن الواثق: اكتبوا هذا في كتاب إلى أمير المؤمنين، أتولَّى إيصاله لكم؛ فكتبوا ذلك، وكاتبهم في الذي يكتبون محمد بن ثقيف الأسود؛ وكان يكتب لعيسى صاحب الكرخ أحيانًا، وانْصرف أبو القاسم ومحمد بن مباشر، فأوصلا الكتاب إلى المهتدي، فكتب جوابَه بخطّه، وختمه بخاتمه، وغدا أبو القاسم إلى الكَرْخ، فوافاهم فصاروا به إلى دار أشناس وقد صيروها مسجدًا جامعًا لهم، فوقف ووقفوا له في الرَّحبَة، واجتمع منهم زهاء مئة وخمسين فارسًا ونحو من خمسمئة راجل، فأقرأهم من المهتدي السلام، وقال: يقول لكم أمير المؤمنين: هذا كتابي إليكم بخطِّي وخاتمي، فاسمعوه وتدبّروه، ثم دفع الكتاب إلى كاتبهم فقرأه، فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وصلى الله على محمد النبيّ وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا، أرشدنا الله وإياكم، وكان لنا ولكم وليًّا وحافظًا، فهمت كتابكُم، وسرّني ما ذكرتم من طاعتكم وما أنتم عليه؛ فأحسن الله جزاءكم، وتولّى حياطتكم؛ فأما ما ذكرتم من خَلّتكم وحاجتكم، فعزيز عليّ ذلك فيكم، ولوددت والله أنّ صلاحكم يهيّأ بألا آكل ولا أطعم ولدي وأهلي إلّا القوت الذي لا شبع دونه، ولا ألبس أحدًا من ولدي إلا ما ستر العورة، ولا والله - حاطكم الله - ما صار إليّ منذ تقلدت أمرَكم لنفسي وأهلي وولدي ومتقدمي غلمانيّ وحشمي إلا خمسة عشر ألف دينار، وأنتم تقِفون على ما ورد ويَرد، كلّ ذلك مصروف إليكم، غير مدّخر عنكم، وأما ما ذكرتم مما بلغكم، وقرأتم به الرّقاع التي ألقبت في المساجد والطرق، وما بذلتم من أنفسكم؛ فأنتم أهل ذلك، وأين تعتذرون مما ذكرتم ونحن وأنتم نفس واحدة! فجزاكم الله عن أنفسكم وعهودكم وأمانَتكم خيرًا، وليس الأمر كما بلغكم، فعلى ذلك فليكن عملكم إن شاء الله، وأما ما ذكرتم من الإقطاعات والمعاون وغيرها، فأنا أنظر في ذلك وأصير منه إلى محبّتكم إن شاء الله والسلام عليكم، أرشدنا الله وإياكم، وكان لنا ولكم حافظًا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.

فلما بلغ القارئ من الكتاب إلى الموضع الذي قال: "ولم يصل إليّ إلا قدر خمسة عشر ألف دينار"، أشار أبو القاسم إلى القارئ، فسكت ثم قال: وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>