ما قدِّر، هذا قد كان أمير المؤمنين في أيام إمارته يستحق في أقلّ من هذه المدة ما هو أكثر منه بأرزاقه وإنزاله ومعونته، وقد تعلمون ما كان مَنْ تقدّمه يصرفه في صِلات المخنّثين والمغنين وأصحاب الملاهي وبناء القصور وغير ذلك، فادعوا الله لأمير المؤمنين، ثم قرأ الكتاب حتى أتى على الكتاب.
فلما فرغ كثُر الكلام وقالوا قولًا، فقال لهم أبو القاسم: اكتبوا بذلك كتابًا صدّروه على مجاري الكتاب إلى الخلفاء، واكتبوه عن القوّاد وخلفائهم والعُرفاء بالكرخ والدّور وسامرّا فكتبوا - بعد أن دعوا الله فيه لأمير المؤمنين: إن الذي يسألون أن تردّ الأمور إلى أمير المؤمنين في الخاصّ والعام، ولا يعترض عليه معترض، وأن تردَّ رسومهم إلى ما كانت عليه أيام المستعين بالله؛ وهو أن يكون على كلّ تسعة منهم عريف، وعلى كل خمسين خليفة، وعلى كل مئة قائد، وأن تسقط النساء والزيادات والمعاون، ولا يدخل مولّىً في قبَالة ولا غيرها، وأن يوضع لهم العطاء في كلّ شهرين على ما لم يزل، وأن تبطل الإقطاعات، وأن يكون أمير المؤمنين يزيد مَنْ شاء ويرفع مَنْ شاء، وذكروا أنهم صائرون في أثر كتابهم إلى باب أمير المؤمنين، ومقيمون هناك إلى أن تقضَى حوائجُهم، وإنه إن بلغهم أنّ أحدًا اعترض أمير المؤمنين في شيء من الأمور أخذوا رأسه، وإن سقط من رأس أمير المؤمنين شعرة قتلوا به موسى بن بغا وبايكباك ومفلحًا وياجور وبكالبا وغيرها.
ودعوا الله لأمير المؤمنين ودفعوا الكتاب إلى أبي القاسم، فانصرف به حتى أوصله، وتحرّك الموالي بسامرّا، واضطرب القوّاد جدًّا، وقد كان المهتدي قعد للمظالم وأدخل الفقهاء والقضاة، وأخذوا مجالسهم، وقام القوّاد في مراتبهم، وسبق دخول أبي القاسم دخول المتظلّمين.
فقرأ المهتدي الكتاب قراءة ظاهرة، وخلا بموسى بن بغا، ثم أمر سليمان بن وهب أن يوقّع في رقعتهم بإجابتهم إلى ما سألوا، فلما فعل ذلك في فصل من الكتاب أو فصلين، قال أبو القاسم: يا أمير المؤمنين، لا يقنعهم إلا خطّ أمير المؤمنين وتوقيعه، فأخذ المهتدي كتابهم فضرب على ما كان سليمان وقع في ذلك، ووقع قي كل باب بإجابتهم إلى ما سألوا، وبأن يفعل ذلك، ثم كتب كتابًا مفردًا بخطّه وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أبي القاسم، فقال أبو القاسم لموسى