واتصلت الحرب بينهم إلى آخر ذلك اليوم، ودخل عليّ المسجد الجامع فأحرقه، وأدركه فتح غلام أبي شيث في جماعة من البصريّين، فانكشف عليّ وأصحابه عنهم، وقُتِل من الزَّنْج قوم، ورجع عليّ فعسكر في الموضع المعروف بمقبرة بني شيبان، فطلب الناس سلطانًا يقاتلون معه فلم يجدوه، وطلبوا بُريْهًا، فوجدوه قد هرب، وأصبح أهلُ البصرة يوم السبت، فلم يأتهم عليّ بن أبان، وغاداهم يوم الأحد، فلم يقف له أحد، وظفر بالبصرة.
قال محمد بن الحسن: وحدّثني محمد بن سمعان، قال: كنت مقيمًا بالبصرة في الوقت الذي دخلها الزَّنْج، وكنت أحضرُ مجلس إبراهيم بن محمد بن إسماعيل المعروف ببُريه، فحضرته وحضر يوم الجمعة لعشر ليال خلون من شوال سنة سبع وخمسين ومئتين وعنده شهاب بن العلاء العنبريّ، فسمعتُ شهابًا يحدّثه أن الخائن قد وجّه بالأموال إلى البادية ليعرّض بها رجال العرب، وأنه قد جمع جمعًا كثيرًا من الخيل، وهو يريد تورّد البصرة بهم وبرجّالته من الزنج، وليس بالبصرة يومئذ من جند السلطان إلا نيّف وخمسون فارسًا مع بُغراج، فقال بُريه لشهاب: إنّ العرب لا تقدم عليّ بمساءة؛ وكان بريه مطاعًا في العرب، محبّبًا إليهم.
قال ابن سمعان: فانصرفت من مجلس بُرَيه، فلقيت أحمد بن أيوب الكاتب، فسمعته يحكي عن هارون بن عبد الرحيم الشيعيّ؛ وهو يومئذ يلي بَريد البصرة، أنّه صَحّ عنده أن الخائن جمّع لثلاث خَلوْن من شَوّال في تسعة أنفس؛ فكان وجوه أهل البصرة وسلطانها المقيم بها من الغَبَا عن حقيقة خبر الخائن على ما وصفت، وقد كان الحصار عضّ أهل البصرة، وكثر الوباء بها، واستعرَت الحرب فيها بين الحزبين المعروفين بالبلالية والسعدية.
فلما كان يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيَتْ من شوّال من هذه السنة، أغارت خيل الخائن على البَصْرة صبحًا في هذا اليوم؛ من ثلاثة أوجه من ناحية بني سَعْد والمربد والخُرَيبة؛ فكان يقودُ الجيش الذي سار إلى المِربَد عليّ بن أبان، وقد جعل أصحابه فرقتين؛ فرقة وَلّى عليها رفيقًا غلام يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان، وأمرهم بالمصير إلى بني سعد، والفرقة الأخرى سار هو فيها إلى المِرْبَد؛ وكان يقود الخيل التي أتت من ناحية الخُريبة يحيى بن محمد الأزرق