- وكان من أصحاب يحيى بن محمد - قال: أمرني يحيى في تلك الغداة بالمصير إلى مقبرة بني يَشْكر، وحَمْل ما كان هناك من التنانير، فصرتُ إليها، فحملتُ نَيّفًا وعشرين تَنّورًا على رؤوس الرجال، حتى أتيت بها دار إبراهيم بن يحيى، والناس يظنّون أنها تعدّ لاتخاذ طعام لهم؛ وهم من الجوع وشدة الحصار والجهد على أمر عظيم، وكثر الجمع بباب إبراهيم بن يحيى، وجعلوا ينوبون ويزدادون؛ حتى أصبحوا وارتفعت الشمس.
قال ابن سمعان: وأنا يومئذ قد انتقلت من سكة المربد من منزلي إلى دار جدّ أمي هشام المعروف بالدافّ، وكانت في بني تميم، وذلك للذي استفاض في الناس من دخول بني تميم في سِلْم الخائن؛ فإني لهناك إذ أتى المخبرون بخبر الوَقْعة بحضرة دار إبراهيم بن يحيى، فذكروا أن يحيى بن محمد بن البحرانيّ أمر الزَّنج، فأحاطوا بذلك الجمع، ثم قال: مَنْ كان من آل المهلب فلْيدخل دار إبراهيم بن يحيى، فدخلتْ جماعة قليلة، وأغلقوا الباب دونهم، ثم قيل للزَّنج: دونكم الناس فاقتلوهم، ولا تُبقوا منهم أحدًا، فخرج إليهم محمد بن عبد الله المعروف بأبي الليث الأصبهاني، فقال للزَّنج: كيلوا - وهي العلامة التي كانوا يعرفونها فيمن يؤمرون بقتله - فأخذ الناسَ السيف.
قال الحسن بن عثمان: فإني لأسمع تشهّدهم وضجيجهم، وهم يقتَلون، ولقد ارتفعت أصواتهم بالتشهّد؛ حتى لقد سمعت بالطُّفَاوة، وهم على بعُد من الموضع الذي كانوا به، قال: ولما أتِيَ على الجمع الذي ذكرنا أقبل الزّنج على قتل مَنْ أصابوا، ودخل عليّ بن أبان يومئذ، فأحرق المسجد الجامع، وراح إلى الكَلّاء، فأحرقه من الجبل إلى الجسر، والنار في كلّ ذلك تأخذ في كلّ شيء مَرّت به من إنسان وبهيمة وأثاث ومتاع، ثم ألحّوا بالغُدوّ والرّواح على مَنْ وجدوا يسوقونهم إلى يحيى بن محمّد؛ وهو يومئذ نازلٌ بسَيْحان؛ فمن كان ذا مال قرّره حتى يستخرج ماله ويقتله، ومن كان مُمْلِقًا قتله.
وذُكِرَ عن شبْل أنه قال: باكر يحيى البصْرة يوم الثلاثاء بعد قتل مَنْ قتل بباب إبراهيم بن يحيى، فجعل ينادي بالأمان في الناس ليظهروا، فلم يظهر له أحدٌ، وانتهى الخبر إلى الخبيث، فصرف عليّ بن أبان عن البصرة، وأفرد يحيى بها لموافقة ما كان أتى يحيى من القتل إياه ووقوعه لمحبّته، وأنه استقصر ما كان من