للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضحى من ذلك اليوم، وأثقَلت يحيى الجراحات التي أصابتْه، فلما رأى الزّنج ما نزل به اشتدّ جزعهم، وضعفت قلوبهم، فتركوا القتال، وكانت همّتهم النجاة بأنفسهم، وحاز أصحاب السلطان الغنائم التي كانت في السفن بالجانب الغربى من النهر؛ فلما حَوَوْها أقعدوا في بعض تلك السفن النّفاطين وعبّروهم إلى شرقيّ النهر، فأحرقوا ما كان هناك من السفن التي كانت في أيدي الزّنج، وانفضّ الزَّنج عن يحعى، فجعلوا يتسللون بقية نهارهم بعد قتل فيهم ذريع، وأسر كثير؛ فلمّا أمسوا وأسدف الليل طارُوا على وجوههم، فلما رأى يحيى تفرّق أصحابه، ركب سُمَيريّة كانت لرجل من المقاتلة البِيضان، وأقعَد معه فيها متطبِّبًا يقال له عبّاد يعرف بأبي جيش؛ وذلك لِمَا كان به من الجراح، وطمع في التخلّص إلى عسكر الخبيث، فسار حتى قرب من فُوّهة النهر، فبصُر ملاحو السميريّة بالشذا والسميريّات واعتراضها في النهر، فجزعوا من المرور بهم، وأيقنوا أنهم مدرَكون، فعبروا إلى الجانب الغربيّ، فألقَوْه ومَنْ معه على الأرض في زرع كان هناك، فخرج يمشي وهو مثقَل؛ حتى ألقى نفسه؛ فأقام بموضعه ليلَته تلك، فلما أصبح بموضعه ذلك نهض عبّاد المتطبّب الذي كان معه، فجعل يمشي متشوقًا لأن يرى إنسانًا فرأى بعض أصحاب السلطان، فأشار إليهم فأخبرهم بمكان يحيى، وأتاه بهم حتى سلّمه إليهم.

وقد زعم قوم: أن قومًا مرُّوا به، فرأوه فدلّوا عليه، فأخِذ، فانتهى خبره إلى الخبيث صاحب الزَّنْج فاشتدّ لذلك جزعه، وعظم عليه توجّعه.

ثم حمِل يحيى بن محمد الأزرق البحرانيّ إلى أبي أحمد، فحمله أبو أحمد إلى المعتمد بسامُرّا، فأمر ببناء دكة بالحَيْر، بحضرة مجرى الحلبة فبُنيت، ثم رفع للناس حتى أبصروه، فضرب بالسياط.

وذُكر: أنه دخل سامرّا يوم الأربعاء لتسع خلوْن من رجب على جمل، وجلس المعتمد من غدِ ذلك اليوم - وذلك يوم الخميس - فضُرب بين - يديه مئتي سوط بثمارها، ثم قُطعت يداه ورجلاه من خلاف، ثم خُبط بالسيوف، ثم ذُبح ثم أحرق.

قال محمد بن الحسن: لمّا قُتِل يحيى البحرانيّ، وانتهى خبره إلى صاحب الزّنج؛ قال: عَظُم عليّ قتله، واشتدّ اهتمامي به، فخوطبتُ فقيل لي: قتلُه خير

<<  <  ج: ص:  >  >>