الجبائيّ لا ينتهي إلى ناحية فيجد فيها شيئًا من المِيرة إلا أحرقه، فساء ذلك سليمان، فنهاه عنه فلم يَنْتَهِ، وكان يقول: إن هذه المِيرة مادّة لعدوّنا، فليس الرأي ترك شيء منها.
فكتب سليمان إلى الخبيث يشكو ما كان من الجُبَّائيّ في ذلك، فورد كتاب الخبيث على الجُبّائيّ يأمره بالسمع والطاعة لسليمان، والائتمار له فيما يأمره به.
وورد على سليمان أن أغرْتمش وخُشيشًا قد أقبلا قاصديْن إليه في الخيل والرِّجال والشَّذَا والسُّميريّات، يريدان مواقعته، فجزع جزعًا شديدًا، وأنفذ الجُبائيَّ ليعرف أخبارهما، وأخذ في الاستعداد للقائهما، فلم يلبث أن عاد إليه الجُبائيّ مهزومًا، فأخبره أنهما قد وافيا باب طنج؛ وذلك على نصف فرسخ من عسكر سليمان حينئذ، فأمره بالرّجوع والوقوف في وجه الجيش، وشغله عن المصير إلى العسكر إلى أنْ يلحق به؛ فلما أنفذ الجبائيّ لما وُجّه له صعد سليمان سطحًا، فأشرف منه، فرأى الجيش مقبلًا، فنزل مسرعًا، فعبَر نهر طهيثا، ومضى راجلًا، وتبعه جَمْعٌ من قوّاد السودان حتى وافوْا باب طنج، فاستدبر أغرتمش، وتركهم حتى جدُّوا في المسير إلى عسكره، وقد كان أمر الذي استخلفه على جيشه ألّا يدع أحدًا من السودان يظهر لأحد من أهل جيش أغرتمش، وأن يخفوا أشخاصهم ما قدرُوا، ويَدَعُوا القوم حتى يتوغّلوا النهر إلى أن يسمعوا أصوات طبوله؛ فإذا سمعوها خرجوا عليهم، وقصدوا أغرتمش.
فجاء أغرتمش بجيشه حتى لم يكن بينه وبين العسكر إلّا نهر يأخذ من طهيثا يقال له جارورة بني مَرْوان، فانهزم الجُبائيّ في السُّميريّات حتى وافى طهيثا، فخلف سُميرِيّاته بها، وعاد راجلًا إلى جيش سليمان، واشتدّ جزع أهل عسكر سليمان منه، فتفرّقوا أيادي سبا، ونهضت منهم شرذمة فيها قائد من قوّاد السودان يقال له أبو النداء، فتلقَّوْهم فواقعوهم، وشغلوهم عن دخول العسكر، وشدّ سليمان من وراء القوم، وضرب الزَّنج بطبولهم، وألقوْا أنفسهم في الماء للعبور إليهم؛ فانهزم أصحابُ أغرتمش وشدّ عليهم مَنْ كان بطهيثا من السودان، ووضعوا السيوف فيهم، وأقبل خُشيش على أشهب كان تحته يريد الرجوع إلى عسكره، فتلقّاه السودان، فصرعوه وأخذتْه سيوفهم، فقتِل وحُمل رأسه إلى سليمان، وقد كان خُشيش حين انتزعوا إليه، قال لهم: أنا خُشيش؛ فلا