حفص البحرانيّ وقائدًا من قواد الزَّنج، يقال له منينًا في جماعة من الزَّنْج فجعلهما كمينًا في الصحراء ممّا يلي ميسرة خيل تكين، وأمرهما إذا جاوزهم خيل تكين أن يخرجوا من ورائهم، فلما علم الجبائيُّ أن سليمان قد أحكم لهم خيلَه وأمر الكمين رفع صوته، ليسمع أصحاب تكين؛ يقول لأصحابه: غررتموني وأهلكتموني، وقد كنت أمرتكم ألا تدخلوا هذا المدخل فأبيتم إلا إلقائي وأنفسكم هذا الملْقَى الذي لا أرانا ننجو منه، فطمع أصحاب تِكين لمّا سمعوا قوله، وجدُّوا في طلبه، وجعلوا ينادون: بلبل في قفص، وسار الجبائيّ سيرًا حثيثًا، وأتبعوه يرشقونه بالسهام، حتى جاوزوا موضع الكمين، وقاربوا عسكر سليمان، وهو كامن من وراء الجدُر في خيله وأصحابه، فزحف سليمان، فتلقّى الجيش، وخرج الكمين من وراء الخيل، وثنى الجبائيّ صدور سُميريّاته إلى مَنْ في النهر، فاستحكمت الهزيمة عليهم من الوجوه كلها، وركبهم الزّنج يقتلونهم ويسلبونهم؛ حتى قطعوا نحوًا من ثلاثة فراسخ.
ثم وقف سليمان وقال للجبائيّ: نرجع فقد غنمنا وسلمنا، والسلامة أفضل من كل شيء، فقال الجبائيّ: كلا؛ قد نخبنا قلوبَهم، ونفذتْ حيلتنا فيهم، والرأي أن نكسبهم في ليلتنا هذه، فلعلّنا أن نزيلهم عن عسكرهم، ونفضَّ جمعهم، فأتبع سليمان رأي الجبَائيّ، وصار إلى عسكر تكين، فوافاه في وقت المغرب، فأوقع به، ونهض تكين فيمن معه، فقاتل قتالًا شديدًا، فانكشف عنه سليمان وأصحابه، ثم وقف سليمان وعبّأ أصحابه، فوجّه شبلًا في خيل من خيله، وضمّ إليه جمعًا من الرّجّالة إلى الصحراء، وأمر الجبّائيّ، فسار في السُّمَيريّات في بطن النهر، وسار هو فيمن معه من أصحابه الخيّالة والرجّالة، فتقدّم أصحابه حتى وافى تكين، فلم يقف له أحد، وانكشفوا جميعًا وتركوا عسكرهم، فغنم ما وجد فيه، وأحرق العسكر، وانصرف إلى معسكره بما أصاب من الغنيمة، ووافى عسكره، فألقى كتاب الخبيث قد ورد بالإذن له في المصير إلى منزله، فاستخلف الجُبائيّ، وحمل الأعلام التي أصابها من عسكر تكين والشَّذوات التي أخذها من المعروف بأبي تميم ومن خُشيش ومن تكين، وأقبل حتى ورد عسكر الخبيث، وذلك في جمادى الأولى من سنة أربع وستين ومئتين.