قال محمد: أنكر جبّاش أن يكون لتكين في هذا الموضع ذكر، ولم يعرف خبر العبادانيّ في تكين، وزعم أنّ القصد لم يكن إلّا إلى جُعْلان، وقد كان خبره خفيَ على أهل عسكره حتى أرجفوا بأنه قد قتِل وقتل الجبّائيّ معه، فجزعوا أشدّ الجزع، ثم ظهر خبره وما كان منه من الإيقاع بجعلان، فسكنوا وقرّوا إلى أن وافَى سليمان، وكتب بما كان منه إلى الخبيث، وحمل أعلامًا وسلاحًا، ثم صار سليمان إلى الرُّصافة في ذي القعدة، فأوقع بمطر بن جامع، وهو يومئذ مقيم بها، فغنم غنائم كثيرة، وأحرق الرّصافة، واستباحها، وحمل أعلامًا إلى الخبيث، وانحدر لخمس ليالٍ خلون من ذي الحجة سنة أربع وستين ومئتين إلى مدينة الخبيث، فأقام ليعيّد هناك ويقيم في منزله، ووافى مطر بن جامع القرية المعروفة بالحجّامية، فأوقع بها، وأسر جماعة من أهلِها. وكان القاضي بها من قبَل سليمان رجلًا من أهلها يقال له: سعيد بن السيد العدويّ، فأسِر وحُمِل إلى واسط هو وثعلب بن حفص وأربعة قوّاد كانوا معه، فصاروا إلى الحرجليّة على فرسخيْن، ونصف من طهيثا، ومضى الجبائيّ في الخيل والرجُل لمعارضة مطر، فوافى الناحية وقد نال مطر ما نال منها، فانصرف عنها، وكتب إلى سليمان بالخبر، فوافى سليمان يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة من هذه السنة، ثم صرف جُعْلان، ووافى أحمد بن ليثويْه، فأقام بالشديديّة، ومضى سليمان إلى موضع يقال له: نهر أبان، فوجد هناك قائدًا من قوّاد ابن ليثويْه يقال له: طُرْناج، فأوقع به وقثله.
قال محمد: قال جبّاش: المقتول بهذا الموضع بينَك، فأما طُرْناج فإنه قتِل بمازروان، ثم وافى الرّصافة، وبها يومئذ عسكر مطر بن جامع، فأوقع به، فاستباح عسكره، وأخذ منه سبع شَذَوات، وأحرق شَذَاتين، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ومئتين.
قال محمد: قال جبّاش: كانت هذه الوقعة بالشديديّة، والذي أخِذ يومئذ ستّ شذوات، ثم مضى سليمان في خمس شَذَوات، ورتّب قيها صناديد قوّاده وأصحابه، فواقعه تكين البخاريّ بالشديدية، وقد كان ابن ليْثويه حينئذ صار إلى ناحية الكوفة وجُنُبلَاء، فظهر تكين على سليمان، وأخذ منه الشذّوات التي كانت معه بآلتها وسلاحها، ومقاتلتها، وقتِل في هذه الوقعة جِلّة قوّاد سليمان.