وغير ذلك، ثم رحل عن القورَج، فنزل بالجعفرية، ولم يكن بهذه القرية ماء إلا من آبار كان أبو أحمد تقدّم بحفرها في عسكره، وأنفذ لذلك سعدًا الأسود مولى عبيد الله بن محمد بن عمار من قورَج العباس، فُحُفرت، فأقام بهذا الموضع يومًا وليلة، وألفَى هناك مِيَرًا مجموعة، واتّسع الناس بها، وتزوَّدوا منها.
ثم رحل إلى الموضع المعروف بالبشير، وألفى فيه غديرًا من المطر، فأقام به يومًا وليلة، ورحل في آخر الليل يريد نهر المبارك، فوافاه بعد صلاة الظهر، وكان منزلًا بعيد المسافة؛ وتلقّاه ابناه أبو العباس وهارون في طريقه، فسلّما عليه، وسارا بسيره حتى ورد نهر المبارك، وذلك يوم السبت للنصف من رجب سنة سبع وستين ومئتين.
وكان لِزيرك ونصير في الذي كان أبو أحمد وجّه فيه زيرك من تتبُّع فلّ الخبيث من طَهيثا أثرٌ فيما بين وصول أبي أحمد من واسط إلى حال مصيره إلى نهر المبارك؛ وذلك ما ذكره محمد بن الحسن عن محمد بن حماد، قال: لمَّا اجتمع زيرك ونصير بدِجْلة العوراء؛ انحدرا حتى وافيا الأبُلّة، فاستأمن إليهما رجل من أصحاب الخبيث، فأعلمهما أن الخبيث قد أنفذ عددًا كثيرًا من السُّميريّات والزّواريق والصلاغ مشحونة بالزَّنج، يرأسهم رجل من أصحابه، يقال له: محمد بن إبراهيم، يكنى أبا عيسى، ومحمد بن إبراهيم هذا رجل من أهل البصرة، كان جاء به رجل من الزَّنج عند خراب البصرة يقال له: يَسار، كان على شُرْطة الفاسق، فكان يكتب ليسار على ما كان يلي حتى مات، وارتفعت حال أحمد بن مهدي الجبائيّ عند الخبيث، فولَّاه أكثر أعمالِه، وضمّ محمد بن إبراهيم هذا إليه، فكان كاتبه إلى أن هلك الجبائيّ - فطمِع محمد بن إبراهيم هذا في مرتبته، وأن يحلّه الخبيث محلّ الجبائيّ، فنبذ الدواة والقلم، ولبس آلة الحرب، وتجرّد للقتال، فأنهضه الخبيث في هذا الجيش، وأمره بالاعتراض في دجْلة لمدافعة مَنْ يردُها من الجيوش، فكان في دجْلة أحيانًا، وأحيانًا يأتي بالجمع الذي معه إلى النهر المعروف بنهر يزيد، ومعه في ذلك الجيش شِبْل بن سالم وعمرو المعروف بغلام بوذي وأجلاد من السودان وغيرهم، فاستأمن رجل كان في ذلك الجيش إلى زيرك ونُصير، وأخبرهما خبره، وأعلمهما أن محمد بن إبراهيم على القصد لسواد عسكر نُصَير، ونصير يومئذ معسكر بنهر المرأة،