وأنهم على أن يسلكوا الأنهار المعترضة على نهر معقِل وبثْق شيرِين، حتى يوافوا الموضع المعروف بالشرطة، ليخرجوا من وراء العسكر فيكبُّوا على طرفيْه؛ فرجع نصير عند وصول هذا الخبر إليه من الأبُلّة مبادرًا إلى معسكره، وسار زيرَك قاصدًا لبَثْق شيرين؛ حتى صار من مؤخّرة في موضع يعرف بالميشان؛ وذلك أنه قدّر أن محمد بن إبراهيم ومن معه يأتون عسكر نُصير من ذلك الطريق؛ فكان ذلك كما ظنّ، ولقيهم في طريقهم فوهب الله له العلوّ عليهم بعد صبر منهم له ومجاهدة شديدة؛ فانهزموا ولجؤوا إلى النهر الذي كانوا وضعوا الكمين فيه، وهو نهر يزيد، فدُلّ زيرك عليهم، فتوغّلت عليهم سُميريّاته وشذواته، فقتِل منهم طائفة وأسِر طائفة؛ وكان ممن ظفِر به منهم محمد بن إبراهيم المكنى أبا عيسى وعمرو المعروف بغلام بوذي، وأخِذ ما كان معهم من السُّميريّات، وذلك نحو من ثلاثين سُميريّة، وأفلت شبل في الذين نجوْا، فلحق بعسكر الخبيث، وخرج زيرك من بَثْق شِيرين ظافرًا ومعه الأسارى ورؤوس مَنْ قتل مع ما حوى من السميريّات والزّواريق وسائر السفن، فانصرف زيرك من دِجْلة العَوْراء إلى واسط؛ وكتب إلى أبي أحمد بما كان من حربه والنصر والفتح.
وكان فيما كان من زيرك في ذلك وصول الجزَع إلى كلّ مَنْ كان بدِجْلة وكُورها من أتباع الفاسق، فاستأمن إلى أبي حمزة وهو مقيم بنهر المرأة منهم زهاء ألفي رجل - فيما قيل - فكتب بخبرهم إلى أبي أحمد، فأمره بقبولهم وإقرارهم على الأمان وإجراء الأرزاق عليهم، وخلطهم بأصحابه ومناهضته العدوّ بهم.
وكان زيرك مقيمًا بواسط إلى حين ورود كتاب أبي أحمد على ابنه هارون بالمصير بالجيش المتخلِّف معه إلى نهر المبارك، فانحدر زيرك مع هارون، وكتب أبو أحمد إلى نصير وهو بنهر المرأة يأمره بالإقبال إليه إلى نهر المبارك، فوافاه هنالك؛ وكان أبو العباس عند مصيره إلى نهر المبارك انحدر إلى عسكر الفاسق في الشَّذَا والسُّميريّات، فأوقع به في مدينته بنهر أبي الخصيب.
وكانت الحرب بينه وبينهم من أوّل النهار إلى آخر وقت الظهر، واستأمن إليه قائد من قوّاد الخبيث المضمومين كانوا إلى سليمان بن جامع، يقال له: منتاب، ومعه جماعة من أصحابه؛ فكان ذلك مما كسر الخبيث وأصحابَه، وانصرف أبو العباس بالظَّفَر، وخلع على منتاب ووصله وحمله، ولمّا لقيَ أبو العباس أباه