للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلمه خبر منتاب، وذكر له خروجه إليه بالأمان، فأمر أبو أحمد لمنتاب بخِلْعة وصلة وحُملان، وكان منتاب أوّل مَنْ استأمن من قوّاد الزَّنج.

ولما نزل أبو أحمد نهر المبارك يوم السبت للنصف من رجب سنة سبع وستين ومئتين، كان أول ما عمل به في أمر الخبيث - فيما ذكر محمد بن الحسن بن سهل، عن محمد بن حمّاد بن إسحاق بن حمّاد بن زيد - أن كتب إليه كتابًا يدعوه فيه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ركب من سفك الدماء وانتهاك المحارم وإخراب البلدان والأمصار، واستحلال الفروج والأموال، وانتحال ما لم يجعله الله له أهلًا من النبوّة والرسالة، ويعلمه أن التوبة له مبسوطة، والأمان له موجود؛ فإن هو نزع عما هو عليه من الأمور التي يسخَطها الله، ودخل في جماعة المسلمين، محا ذلك ما سلف من عظيم جرائمه؛ وكان له به الحظّ الجزيل في دنياه، وأنفذ ذلك مع رسوله إلى الخبيث، والتمس الرّسول إيصالَه، فامتنع أصحاب الخبيث من إيصال الكتاب، فألقاه الرسول إليهم، فأخذوه وأتوا به إلى الخبيث، فقرأه فلم يزدْه ما كان فيه من الوعظ إلا نفورًا وإصرارًا، ولم يجب عن الكتاب بشيء، وأقام على اغتراره، ورجع الرسول إلى أبي أحمد فأخبَره بما فعل، وترك الخبيث الإجابة عن الكتاب، وأقام أبو أحمد يوم السبت والأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء متشاغلًا بعرض الشَّذَا والسُّميريّات وترتيب دوّاده ومواليه وغلمانه فيها، وتخيّر الرماة وترتيبهم في الشَّذَا والسُّميريّات، فلما كان يوم الخميس سار أبو أحمد في أصحابه، ومعه ابنه أبو العباس إلى مدينة الخبيث التي سمّاها المختارة من نهر أبي الخصيب، فأشرف عليها وتأمّلها، فرأى من مَنعَتها وحصانتها بالسُّور والخنادق المحيطة بها وما عوّر من الطرق المؤدية إليها وأعِدّ من المجانيق والعرّادات والقسيّ الناوكيّة وسائر الآلات على سورها ما لم ير مثله ممن تقدّم من منازعي السلطان، ورأى من كثرة عدد مقاتلتهم واجتماعهم ما استغلظ أمره، فلمّا عاين أصحابه أبا أحمد، ارتفعت أصواتُهم بما ارتجّت له الأرض، فأمر أبو أحمد عند ذلك ابنه أبا العباس بالتقدّم إلى سُور المدينة وَرشْق مَنْ عليه بالسهام، ففعل ذلك ودنا حتى ألصق شَذواته بمسنّاة قصر الخائن، وانحازت الفسقة إلى الموضع الذي دنت منه الشَّذَا، وتحاشدوا وتتابعت سهامهم، وحجارة مجانيقهم وعرّاداتهم ومقاليعهم، ورمى عوامُّهم بالحجارة

<<  <  ج: ص:  >  >>