للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أيديهم، حتى ما يقع طرف ناظر من الشذَا على موضع إلّا رأى فيه سهمًا أو حجرًا، وثبت أبو العباس، فرأى الخائن وأشياعه من جدّهم واجتهادهم وصَبْرهم ما لا عهد لهم بمثله من أحد حاربهم.

فأمر أبو أحمد أبا العباس ومن معه بالرجوع إلى مواقفهم ليروِّحوا عن أنفسهم ويداووا جراحهم، ففعلوا ذلك.

واستأمن إلى أبي أحمد في تلك الحال مقاتلان من مقاتلة السُّميريّات، فأتوه بسُمَيريتهما وما فيها من الآلات والملّاحين، فأمر للمقاتلين بخلَع ديباج ومناطق محلّاة، ووصلهما، وأمر للملاحين بخلَع من خلع الحرير الأحمر والثياب البيض بما حسن موقعه منهم وعمهم جميعًا بصلاته، وأمر بإدنائهم من الموضع الذي يراهم فيه نظراؤهم؛ فكان ذلك من أبخع المكايد التي كيد بها الفاسق، فلما رأى الباقون ما صار إليه أصحابهم من العفو عنهم والإحسان إليهم، رغبوا في الأمان وتنافسوا فيه، فابتدروه مسرعين نحوه، راغبين فيما شرع لهم منه، فصار إلى أبي أحمد في ذلك اليوم عدد من أصحاب السميريّات، فأمر فيهم بمثل ما أمر به في أصحابهم، فلما رأى الخبيثُ ركونَ أصحاب السميريّات إلى الأمان واغتنامهم له أمر بردّ مَنْ كان منهم في دِجْلة إلى نهر أبي الخصيب، ووكل بفوّهة النهر مَنْ يمنعهم من الخروج، وأمر بإظهار شذواته، وندب لهم بَهْبوذ بن عبد الوهاب، وهو من أشدّ حماته بأسًا، وأكثرهم عددًا وعِدّة، فانتدب بهبوذ لذلك في أصحابه، وكان ذلك في وقت إقبال المدّ وقوّته، وقد تفرّقت شَذَوات أبي أحمد، ولحق أبو حمزة فيما معه منها بشرقيّ دِجْلة، فأقام هنالك وهو يرى أنّ الحرب قد انقضت واستُغنى عنه.

فلما ظهر بَهبْوذ فيما معه من الشَّذَوات أمر أبو أحمد بتقديم شَذَواتِه، وأمر أبا العباس بالحمل على بهبوذ بما معه من الشَّذَا، وتقدّم إلى قُوّاده وغلمانه بالحمل معه؛ وكان الذي صَلِيَ بالحرب من الشَّذَوات التي مع أبي العباس وزيرك من الشَّذَوات التي رتب فيها قوّاد الغلمان اثنتي عشرة شذاة، فنشبت الحرب، وطمع أصحاب الفاسق في أبي العباس وأصحابه لقلة عدد شذواتهم، فلما صُدِموا انهزموا ووجّه أبو العباس ومَنْ معه في طلب بهبوذ، فألجؤوه إلى فناء قصر الخبيث، وأصابتْه طعنتان، وجُرح بالسهام جراحات، وأوهِنت أعضاؤه

<<  <  ج: ص:  >  >>