بالحجارة، وخلّى ما كان عليه مع أصحابه، فأولجوه نهر أبي الخصيب وقد أشفى على الموت، وقتل يومئذ ممن كان مع بهبوذ قائد من قوّاده ذو بأس ونجدة وتقدّم في الحرب، يقال له: عميرة، وظفر أصحاب أبي العباس بشذَاة من شَذَوات بهبوذ، فقتل أهلها، وغرقوا وأخذت الشذاة، وصار أبو العباس ومَن معه بشذواهم بعد أن أتاهم أمر أبي أحمد بذلك، وبإلحاف الشَّذَا بشرقيّ في جلة وصرف الجيش، فلمّا رأى الفاسق جيش أبي أحمد منصرفًا أمر مَنْ كان انهزم في شَذواتِه إلى نهر أبي الخصيب بالظهور ليسكّن بذلك روعةَ أصحابه، وليكون صرفه إياهم إذا صرفهم عن غير هزيمة، فأمر أبو أحمد جماعة من غلمانه بأن يثبّتوا صدور شذواتهم إليهم؛ ويقصدوهم فلما رأوا ذلك ولَّوْا منهزمين مذعورين وتأخرت عنهم شذاة من شذواتهم، فاستأمن أهلها إلى أبي أحمد، ونكسوا علمًا أبيض كان معهم، فصاروا إليه في شذاتهم فأمِّنوا وحُبوا ووُصِلوا وكُسوا، فأمر الفاسق عند ذلك بردّ شذواتهم إلى النهر ومنعها من الخروج، وكان ذلك في آخر النهار، وأمر أبو أحمد أصحابه بالرجوع إلى معسكرهم بنهر المبارك.
واستأمن إلى أبي أحمد في هذا اليوم عند منصرَفه خَلْق كثير من الزَّنْج وغيرهم، فقبلهم، وحملهم في الشَّذَا والسميريّات، وأمر أن يخلع عليهم ويوصلوا ويُحبَوْا، وتُكتب أسماؤهم في المضمومين إلى أبي العباس.
وسار أبو أحمد، فوافى عسكره بعد العشاء الأخيرة، فأقام به يوم الجمعة والسبت والأحد، ثم عزم على نقل عسكره إلى حيث يقرب منه عليه القَصْد لحرب الخبيث، فركب الشَّذَا في يوم الإثنين لستّ ليال بفين من رجب سنة سبع وستين ومئتين، ومعه أبو العباس والقوّاد من مواليه وغلمانه، فيهم زيرك ونصير حتى وافَى النهر المعروف بنهر جَطّى في شرقيّ دجْلة، وهو حيال النهر المعروف باليهوديّ، فوقف عليه، وقدّر فيه ما أراد وانصرف، وخلّف به أبا العباس وزيرك ونُصيرًا، وعاد إلى معسكره، فأمر فنودي في الناس بالرحيل إلى الموضع الذي اختار من نهر جَطَّى، وتقدّم في قوْد الدوابّ بعد أن أصلحت لها الطرف، وعقدت القناطر على الأنهار، وغدا في يوم الثلاثاء لخمس بقين من رجب في جميع عساكره حتى نزل نهر جَطّى، فأقام به إلى يوم السبت لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة سبع وستين ومئتين، ولم يحارب في شيء من هذه الأيام، وركب