تحته، فأمعن هربًا وأخذ كلَّ ما كان أولئك الأعراب أتوْا به من الإبل والغنم والطعام، وقطع أبو العباس يدَ أحد الأسرى وأطلقه، فصار إلى معسكر الخبيث، فأخبرهم بما نزل به، فريعَ مالك بن أخت القَلوص بما كان من إيقاع أبي العباس بهؤلاء الأعراب، فاستأمن إلى أبي أحمد، فأومن وحُبيَ وكُسِيَ وضُمّ إلى أبي العباس، وأجرِيت له الأرزاق، وأقيمت له الأنزال، وأقام الخبيث مقام مالك رجلًا كان من أصحاب القَلوص، ويقال له: أحمد بن الجنيد، وأمره أن يعسكر بالموضع المعروف بالدهرشير ومؤخر نهر أبي الخصيب، وأن يصير في أصحابه إلى ما يقبل من سمك البَطيِحة، فيحمله إلى عسكر الخبيت، وتأدّى إلى أبي أحمد خبر أحمد بن الجنيد، فوجّه قائدًا من قوّاد الموالي يقال له: الترمدان في جيش، فعسكر بالجزيرة المعروفة بالرّوحية، فانقطع ما كان يأتي إلى عسكر الخبيث من سَمك البَطِيحة، ووجّه الموفق شهاب بن العلاء ومحمد بن الحسن العنبريّين في خيل لمنع الأعراب من حمل المِير إلى عسكر الخبيث، وأمر بإطلاق السوق لهم بالبصرة، وحمل ما يريدون امتيارَه من التمر؛ إذ كان ذلك سبب مصيرهم إلى عسكر الخبيث، فتقدّم شهاب ومحمد لما أمرا به، فأقاما بالموضع المعروف بقصر عيسى؛ فكان الأعراب يوردون إليهما ما يجلبونَه من البادية، ويمتارون التمر ممّا قِبَلهما.
ثم صرف أبو أحمد الترمدان عن البصرة، ووجّه مكانه قائدًا من قُوّاد الفراغنة، يقال له قيصر بن أرْخُوز إخشاذ فَرْغانة، ووجّه نصيرًا المعروف بأبي حمزة في الشَّذَا والسُّميريات، وأمره بالمقام بفيض البصرة ونهر دُبَيْس وأن يخترق نهر الأبُلّة ونهر معقل ونهر غربيّ، ففعل ذلك.
قال محمد بن الحسن: وحدّثني محمد بن حماد، قال: لما انقطعت المير عن الخبيث وأشياعه بمقام نصير وقيصر بالبصرة، ومنعهم المِيرة من البَطيحة والبحر بالشَّذَا، صرفوا الحيلة إلى سلوك نهر الأمير إلى القَنْدل، ثم سلوك المسيحيّ إلى الطرق المؤدية إلى البرّ والبحر؛ فكانت مِيَرهُم من البرّ والبحر، وامتيارهم سمك البحر من هذه الجهة، فانتهى ذلك إلى الموفّق، فأمر رشيقًا غلام أبي العباس باتّخاذ عسكر بجَوِّيث بارويه في الجانب الشرقي من دِجْلة بإزاء نهر الأمير، وأن يحفر له خندقًا حصينًا، وأمَر أبا العباس أن يضمّ إلى رشيق من