للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقصد هاتين القنطرتين، وأن يختلوا الزنج، وينتهزوا الفرصة في غفلتهم عن حراستهما؛ وتقدّم إليهم في أن يُعِدُّوا لهما من الفؤوس والمنَاشير والآلات التي يحتاج إليها لقطعهما ما يكون عونًا لهم على الإسراع فيما يقصدون له من ذلك.

فانتهى الغلمان إلى ما أمِروا به، وصاروا إلى نهر منكى وقت نصف النهار، فبرز لهم الزّنْج، فبادروا وتسرَّعوا، فكان ممّن تسرع إليهم أبو النداء في جماعة من أصحابه يزيدون على الخمسمئة، ونشبت الحرب بين أصحاب الموفق والزَّنج، فاقتتلوا صدرَ النهار، ثم ظهر غلمان أبي أحمد على الفسقة فكشفوهم عن القنطرتين، فأصاب المعروفَ بأبي النداء سهمٌ في صدره وصل إلى قلبه فصرعه، وحامى أصحابه على جِيفته فاحتملوها، وولَّوْا منهزمين، وتمكن قوّاد غلمان الموفَّق من قطع القنطرتين، فقطعوهما وأخرجوهما إلى دِجْلة، وحملوا خشبهما إلى أبي أحمد، وانصرفوا على حال سلامة، وأخبروا الموفّق بقتل أبي النداء وقَطْع القنطرتين، فعظم سروره وسرورُ أهل العسكر، بذلك، وأمر لرامي أبي النداء بصِلة وافرة.

وألحّ أبو أحمد على الخبيث وأشياعه بالحرب، وهدم من السور ما أمكنهم به الولوج عليهم، فشغلوهم بالحرب في مدينتهم عن المدافعة عن سورهم، فأسرع الهدْم فيه، وانتهى منه إلى دارَي ابن سمعان وسليمان بن جامع، فصار ذلك أجمع في أيدي أصحاب الموفّق، لا يستطيع الفسقة دفعَهم عنه ولا منعَهم من الوصول إليه، وهُدِمت هاتان الداران، وانتُهِب ما فيهما، وانتهى أصحاب الموفّق إلى سوق لصاحب الزَّنج كان اتخذها مظلة على دِجْلة، سماها الميمونة، فأمر الموفّق زيرك صاحب مقدمة أبي العباس بالقصْد لهذه السوق، فقصد بأصحابه لذلك، وأكبَّ عليها، فهدمت تلك السوق وأخرِبَتْ، فقصد الموفّق الدار التي كان صاحب الزنج اتّخذها للجُبّائيّ فهدمها، وانتهب ما كان فيها وفي خزائن الفاسق كانت متّصلة بها.

وأمر أصحابه بالقصْد إلى الموضع الذي كان الخبيث اتخذ فيها بناء سماه مسجد الجامع، فاشتدت محاماة الفسقة عن ذلك والذبّ عنه؛ بما كان الخبيث يحضُّهم عليه، ويُوهمهم أنه يجب عليهم من نُصرة المسجد وتعظيمه؛ فيصدّقُون قولَه في ذلك، ويتبعون فيه رأيه، وصعُب على أصحاب الموفّق ما كانوا يرومون

<<  <  ج: ص:  >  >>