إحراقها وما يليها من منازل قوّاد الخائن، وشغلهم بذلك عن انجاده ومعاونته، وأمر المرتبين في الشَّذَا المظلّلة بالقصد؛ لما كان مطلًا على دِجْلة من رواشين الخبيث وأبنيته، ففعلوا ذلك، وألصقوا شذَواتِهم بسور القصر، وحاربوا الفجَرة أشدّ حرب، ونضحوهم بالنيران، وصبر الفسَقة وقاتلوا، فرزق الله النصر عليهم، فتزحزحوا عن تلك الرواشين والأبنية التي كانوا يحامون عليها، وأحرقها غلمان الموفق، وسلِم مَنْ كان في الشَّذَا مما كان الخبثاء يكيدونهم به من النشاب والحجارة وصبّ الرصاص المذاب وغير ذلك بالظلال التي كان اتّخذها على الشّذا فكان ذلك سببًا لتمكنها من دار الخبيث.
وأمر الموفّق مَنْ كان في الشَّذَا بالرجوع فرجعوا، فأخرج مَنْ كان فيها من الغلمان، ورتّب فيها آخرين، وانتظر إقبال المدّ وعلوّه؛ فلما تهيّأ ذلك عادت الشَّذَوات المظللة إلى قصر الخبيث، فأمر الموفّق مَنْ كان فيها بإحراق بيوت كانت تشرَع على دِجْلة من قصر الفاسق؛ ففعلوا ذلك، فاضطرمت النار في هذه البيوت، واتّصلت بما يليها من الستارات التي كان الخبيث ظلّل بها دارَه، وستور كانت على أبوابه، فقويت النار عند ذلك على الإحراق، وأعجلت الخبيث ومَنْ كان معه عن التوقّف على شيء مما كان في منزله من أمواله وذخائره وأثاثه وسائر أمتعته، فخرج هاربًا، وترك ذلك كله، وعلا غلمان الموفّق قصر الخبيث مع أصحابهم؛ فانتهبوا ما لم تأت النار عليه من الأمتعة الفاخرة والذهب والفضة والجوهر والحلْي وغير ذلك؛ واستنقذوا جماعة من النساء اللواتِي كان الخبيث استرقّهنّ، ودخل غلمان الموفّق سائرَ دور الخبيث ودور ابنه أنكلاي، فأضرموها نارًا، وعظم سرور الناس بما هيأ الله لهم في هذا اليوم، فأقام جماعة يحاربون الفَسَقة في مدينتهم وعلى باب قصر الخبيث، مما يلِي الميدان، فأثخنوا فيهم القتل والجراح والأسْر، وفعل أبو العباس في دار المعروف بالكرنبائيّ وما يتّصل بها من الإحراق والهدم والنهب مثل ذلك. وقطع أبو العباس يومئذ سلسلة حديد عظيمة وثيقة كان الخبيث قطع بها نهر أبي الخصيب ليمنع الشَّذَا من دخوله، وحازها، فحُملت في بعض شَذواتِه وانصرف الموفّق بالناس صلاة المغرب بأجمل ظفر، وقد نال الفاسقَ في ذلك اليوم في نفسه وماله وولده وما كان غلب عليه من نساء المسلمين مثل الذي أصاب المسلمين منه من الذّعر