فأمر ابنه أبا العباس بالوقوف في جمع من أصحابه في الشَّذَا في نهر أبي الخصيب، وأن يختار من أصحابه وغلمانه جمعًا يخرجهم في الموضِع الذي كانت فيه دار الكرنبائيّ من شرقيّ نهر أبي الخصيب، ويخرج معهم الفعَلة لهدم كلّ ما يلقاهم من دور أصحاب الفاجر ومنازلهم، ووقف الموفّق على قصر المعروف بالهمدانيّ - وكان الهمدانيّ يتولى حياطة هذا الموضع، وهو أحد قادة جيوش الخبيث وقدماء أصحابه - وأمر الموفّق جماعة من قوّاده ومواليه فقصدوا لدار الهَمْدانيّ، ومعهم الفَعلة؛ وقد كان هذا الموضع محصّنًا بجمع كثير من أصحاب الخبيث من الزَّنْج وغيرهم، وعليه عرّادات ومجانيق منصوبة وقسيّ ناوكية، فاشتبكت الحرب وكثُر القتلى والجراح إلى أن كشف أصحاب الموفّق الخبثاءَ، ووضعوا فيهم السلاح، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وفعل أصحاب أبي العباس مثل ذلك بمن مرّ بهم من الفَسقَة.
والتقى أصحابُ الموفّق وأصحاب أبي العباس؛ فكانوا يدًا واحدة على الخبثاء، فولّوْا منهزمين، وانتهوْا إلى دار الهمدانيّ، وقد حصّنها ونصب عليها العرّادات، وحفّها بأعلام بِيض من أعلام الفاجر، مكتوب عليها اسمه، فتعذّر على أصحاب الموفق تسوّر هذه الدار لعلوّ سورها وحصانتها، فوضعوا عليها السلاليم الطوال، فلم تبلغ آخره، فرمى بعضُ غلمان الموفّق بكلاليب كانوا أعدُّوها، وجعلوا فيها الحبال لمثل هذا الموضع، فأثبتوها في أعلام الفاسق وجذبوها، فانقلبت الأعلام منكوسة من أعلى السور؛ حتى صارت في أيدي أصحاب الموفّق، فلم يشكّ المحامون عن هذه الدار أنّ أصحاب أبي أحمد قد علوْها، فوجَلوا فانهزموا، وأسلموها وما حوْلها، وصعِد النّفّاطون فأحرقوا ما كان عليها من المجانيق والعرّادات، وما كان فيها للهمدانيّ من متاع وأثاث، وأحرقوا ما كان حولها من دور الفجرة، واستنقذوا في هذا اليوم من نساء المسلمين المأسورات عددًا كثيرًا، فأمر الموفّق بحملهنّ في الشّذَا والسميريّات، والمعابر إلى الموفقية والإحسان إليهنّ.
ولم تزل الحرب في هذا اليوم قائمةً من أوّل النهار إلى بعد صلاة العصر، واستأمن يومئذ جماعةٌ من أصحاب الفاسق وجماعة من خاصّة غلمانه الذين كانوا في داره يلون خدمَته والوقوف على رأسه؛ فآمنهم الموفّق وأمر بالإحسان إليهم،