للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن يُخلَع عليهم، ويوصلوا وتُجرى لهم الأرزاق، وانصرف الموفّق، وأمر أن تنكَس أعلام الفاسق في صدور الشَّذَوات ليراها أصحابه، ودلّت جماعة من المستأمنة الموفَّق على سوق عظيمة كانت للخبيث في ظهر دار الهمدانيّ متصلةً بالجسر الأوّل المعقود على نهر أبي الخصيب، كان الخبيث سمّاها المباركة، وأعلموه أنه إن تهيأ له إحراقها لم يبق لهم سوق، وخرج عنهم تجّارهم الذين بهم قوامهم؛ واستوحشوا لذلك، واضطروا إلى الخروج في الأمان، فعزم الموفّق عند ذلك على قصد هذه السوق وما يليها بالجيوش من ثلاثة أوجه؛ فأمر أبا العباس بقصد جانب من هذه السوق مما يلي الجسر الأول؛ وأمر راشدًا مولاه بقصْدها مما يلِي دار الهمْدانيّ، وأمر قوّادًا من قواد غلمانه السودان بالقصد لها من نهر أبي شاكر، ففعل كلُّ فريق ما أمِر به، ونذِر الزَّنج بمسير الجيوش إليهم، فنهضوا في وجوههم، واستعرت الحرب وغلظتْ، فأمدّ الفاجر أصحابه، وكان المهلبيّ وأنكلاي وسليمان بن جامع في جميع أصحابهم بعد أن تكاملوا ووافتْهم أمداد الخبيث بهذه السوق يحامون عنها، ويحاربون فيها أشدّ حرب.

وقد كان أصحاب الموفّق في أول خروجهم إلى هذا الموضع وصلُوا إلى طرف من أطراف هذه السوق، فأضرموه نارًا فاحترق، فاتّصلت النار بأكثر السُّوق، فكان الفريقان يتحاربون والنار محيطة بهم؛ ولقد كان ما علا من ظلالٍ يحترق فيقع على رؤوس المقاتلة؛ فربما أحرق بعضَهم، وكانت هذه حالهم إلى مغيب الشمس وإقبال الليل، ثم تحاجزوا، وانصرف الموفّق وأصحابه إلى سفنهم، ورجع الفسَقة إلى طاغيتهم بعد أن احترق السوق، وجلا عنها أهلُها ومَن كان فيها من تجار عسكر الخائن وسُوقتهم، فصاروا في أعلى مدينته بما تخلّصوا به من أموالهم وأمتعتهم، وقد كانوا تقدّموا في نقل جلّ تجارتهم وبضائعهم من هذه السوق خوفًا من مثل الذي نالهم في اليوم الذي أظفر الله فيه الموفّق بدار الهَمْدانيّ وهيّأ له إحراق ما أحرق حولها.

ثم إن الخبيث فعل في الجانب الشرقيّ من حفر الخنادق وتعوير الطرق ما كان فعل في الجانب الغربيّ بعد هذه الوقعة، واحتفر خندقًا عريضًا من حدّ جوى كور إلى نهر الغربيّ، وكان أكثر عنايته بتحصين ما بين دار الكرْنبائيّ إلى النهر المعروف بجُوى كور؛ لأنه كان في هذا الموضع جُلّ منازل أصحابه ومساكنهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>