يعوق عن محاربة الفَجرة من قصور الفاسق وقصور أصحابه، ووسَّعوا مخترقات ضيّقة كانت على نهر أبي الخصيب، فكان ذلك مما زاد في رعب أصحاب الخائن، ومال جمعٌ كثير من قوّاده وأصحابه الذين كان لا يرى أنهم يفارقونه إلى طلب الأمان، فبُذل ذلك لهم، فخرجوا أرسالًا، فقُبِلوا، وأحسِن إليهم وألحقوا بنظرائهم في الأرزاف والصِّلات والخلع.
ثم إن الموفّق واظب على إدخال الشذا النهر، وتقحّمه في غلمانه، وأمر بإحراق ما على حافتيه من منازل الفجرة وما في بطنه من السفن، وأحبّ تمرين أصحابه على دخول النهر وتسهيل سلوكه لهم لِمَا كان يقدّر من إحراق الجسر الثاني، والتوصّل إلى أقصى مواضع الفجرة.
فبينا الموفّق في بعض أيامه - التي ألحّ فيها على حرب الخبيث وولوج نهر أبي الخصيب - واقف في موضع من النهر؛ وذلك في يوم الجمعة، إذ استأمن إليه رجل من أصحاب الفاجر، وأتاه بمنبر كان للخبيث في الجانب الغربيّ، فأمره بنقله إليه، ومعه قاض كان للخبيث في مدينته؛ فكان ذلك مما فتّ في أعضادهم؛ وكان الخبيث جمع ما كان بقيَ له من السفن البحرية وغيرها، فجعلها عند الجسر الثاني، وجمع قوّاده وأصحابه وأنجاد رجاله هنالك؛ فامر الموفّق بعض غلمانه بالدنوّ من الجسر وإحراق ما تهيأ إحراقُه من المراكب البحرية التي تليه، وأخذ ما أمكن أخذُه منها، ففعل ذلك المأمورون به من الغلمان، فزاد فعلهم في تحرّز الفاجر ومحاماته عن الجسر الثاني، فألزم نفسه وجميع أصحابه حفظه وحراسته خوفًا من أن تتهيّأ حيلة فيخرج الجانب الغربيّ عن يده، ويُوطئه أصحاب الموفّق؛ فيكون ذلك سببًا لاستئصاله، فأقام الموفّق بعد إحراق الجسر الأول أيامًا يعبرُ بجمع بعد جمع من غلمانه إلى الجانب الغربيّ من نهر أبي الخصيب، فيحرقون ما بقي من منازل الفجرة، ويقرُبون من الجسر الثاني فيحاربهم عليه الزنج.
وقد كان تخلّف منهم جمعٌ في منازلهم في الجانب الغربيّ المقاربة للجسر الثاني، وكان غلمان الموفّق يأتون هذا الموضع ويقفون على الطرق والمسالك التي كانت تخفى عليهم من عسكر الخبيث؛ فلما وقف الموفّق على معرفة غلمانه وأصحابه بهذه الطريق واهتدائهم لسلوكها، عزم على القصد لإحراق الجسر