الثاني ليحوز الجانب الغربيّ من عسكر الخبيث، وليتهيأ لأصحابه مساواتُهم على أرض واحدة، لا يكون بينهما فيها حائل غير نهر أبي الخصيب؛ فأمر الموفّق عند ذلك أبا العباس بقصد الجانب الغربيّ في أصحابه وغلمانه، وذلك في يوم السبت لثمان بقين من شوال سنة تسع وستين ومئتين، وتقدّم إليه أن يجعل خروجه بأصحابه في موضع البناء الذي كان الفاجر سمّاه مسجد الجامع، وأن يأخذ الشارع المؤدي إلى الموضع الذي كان الخبيث اتخذه مصلَّى يحضره في أعياده؛ فإذا انتهى إلى موضع المصلى عطف منه إلى الجبل المعروف بجبل المكتني بأبي عمرو أخي المهلبيّ، وضمّ إليه من قُوّاد غلمانه الفرسان والرّجالة زُهاء عشرة آلاف، وأمره أن يرتّب زِيَركَ صاحب مقدّمته في أصحابه في صحراء المصلى، ليأمن خروج كمين إن كان للفسقة من ذلك الموضع، وأمر جماعة من قوّاد الغلمان أن يتفرقوا في الجبال التي فيها بين الجبل المعروف بالمكتنى بأبي عمرو وبين الجبل المعروف بالمكتنى أبا مقاتل الزنجيّ، حتى توافَوْا جميعًا من هذه الجبال موضع الجسر الثاني في نهر أبي الخصيب، وتقدّم إلى جماعة من قوّاد الغلمان المضمومين إلى أبي العباس أن يخرجوا في أصحابهم بين دار الفاسق ودار ابنه أنكلاي، فيكون مسيرهم على شاطئ نهر أبي الخصيب وما قاربه؛ ليتصلوا بأوائل الغلمان الذين يأتون على الجبال، ويكون قصدُ الجميع إلى الجسر، وأمرهم بحمل الآلات من المعاول والفؤوس والمناشير مع جمع من النَّفاطين لقطع ما يتهيّأ قطعُه، وإحراق ما يتهيأ إحراقه، وأمر راشدًا مولاه بقصد الجانب الشرقيّ من نهر أبي الخصيب في مثل العِدّة التي كانت مع أبي العباس وقصد الجسر ومحاربة مَنْ يدافع عنه، ودخل أبو أحمد نهر أبي الخصيب في الشّذَا، وقد أعدّ منها شَذَوات رتّب فيها من أنجاد غلمانه الناشبة والرّامحة من ارتضاه، وأعدّ معهم من الآلات التي يقطع بها الجسر ما يحتاج إليه لذلك؛ وقدّمهم أمامه في نهر أبي الخصيب، واشتبكت الحرب في الجانبين جميعًا بين الفريقين، واشتدّ القتال.
وكان في الجانب الغربيّ بإزاء أبي العباس ومَنْ معه أنكلاي ابن الفاسق في جيشه، وسليمان بن جامع في جيشه، وفي الجانب الشرقيّ بإزاء راشد ومَن معه الفاجر صاحب الزَّنْج والمهلّبيّ في باقي جيشهم، فكانت الحرب في ذلك اليوم