وركب الموفّق في عشية يوم الإثنين الشَّذَا؛ وهي يومئذ مئة وخمسون شَذاة قد شحنها بأنجاد غلمانه ومواليه الناشبة والرّامحة، ونظمها من أوّل عسكر الخائن إلى آخره؛ لتكون حصنًا للجيش من ورائه، وطُرِحت أناجرها بحيث تقرب من الشطّ، وأفرِد منها شذوات اختارها لنفسه، ورتب فيها من خاصّة قوّاد غلمانه ليكونوا معه عند تقحّمه نهر أبي الخصيب، وانتخب من الفرسان والرّجّالة عشرة آلاف، وأمرهم أن يسيروا على جانبي نهر أبي الخصيب بمسيره، ويقفوا بوقوفه، ويتصرّفوا فيما رأى أن يصرّفهم فيه في وقت الحرب.
وغدا الموفّق يوم الثلاثاء لقتال الفاسق صاحب الزَّنْج، وتوجّه كلّ رئيس من رؤساء قوّاده نحو الموضع الذي أمِر بقصده، وزحف الجيش نحو الفاسق وأصحابه، فتلقّاهم الخبيث في جيشه واشتبكت الحرب، وكثر القتل والجراح بين الفريقين، وحامى الفسقة عما كانوا اقتصروا عليه من مدينتهم أشدّ محاماة، واستماتوا، وصبر أصحاب الموفّق، وصدقوا القتال؛ فمنّ الله عليهم بالنصر، وهزم الفسقة، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا من مقاتلتهم وأنجادهم جمعًا كثيرًا.
وأتِي الموفّق بالأسارى، فأمر بهم فضرِبت أعناقهم في المعركة، وقصد بجمعه لدار الفاجر فوافاها، وقد لجأ الخبيث إليها، وجمع أنجاد أصحابه للمدافعة عنها؛ فلمّا لم يغنُوا عنها شيئًا أسلمها، وتفرّق أصحابه عنها، ودخلها غلمان الموفّق، وفيها بقايا ما كان سلم للخبيث من ماله وأثاثه؛ فانتهبوا ذلك كلَّه، وأخذوا حرمه وولده الذكور والإناث؛ وكانوا أكثر من مئة بين امرأة وصبيّ، وتخلّص الفاسق ومضى هاربًا نحو دار المهلبِيّ، لا يلوي على أهل ولا مال، وأحرقت داره وما بقي فيها من متاع وأثاث، وأُتِيَ الموفّق بنساء الخبيث وأولاده، فأمر بحملهم إلى الموفقية والتوكيل بهم، والإحسان إليهم.
وكان جماعة من قواد أبي العباس عبروا نهر أبي الخصيب، وقصدوا الموضع الذي أمِرُوا بقصْده من دار المهلبيّ، ولم ينتظروا إلحاق أصحابهم بهم، فوافوْا دار المهلبيّ، وقد لجأ إليها أكثرُ الزَّنج بعد انكشافهم عن دار الخبيث؛ فدخل أصحاب أبي العباس الدّار، وتشاغلوا بالنهب وأخذِ ما كان غلب عليه المهلبيّ