من حرم المسلمين وأولاده منهنّ، وجعل كلّ مَنْ ظفر بشيء انصرف به إلى سفينته في نهر أبي الخصيب.
وتبين الزَّنج قلة مَنْ بَقيَ منهم وتشاغلهم بالنهب، فخرجوا عليهم من عدَّة مواضع قد كانوا كمنوا فيها، فأزالوهم عن مواضعهم؛ فانكشفوا، وأتبعهم الزَّنْج حتى وافوْا نهر أبي الخصيب وقَتلوا مِنْ فرسانهم ورجَّالتهم جماعةً يسيرة، وارتجعوا بعض ما كانوا أخذوا من النساء والمتاع.
وكان فريق من غلمان الموفّق وأصحابه الذين قصدوا دار الخبيث في شرقيّ نهر أبي الخصيب تشاغلوا بالنَّهب وحمْل الغنائم إلى سفنهم؛ فأطمع ذلك الزَّنج فيهم، فأكبُّوا عليهم، فكشفوهم واتَّبعوا آثارهم إلى الموضع المعروف بسوق الغنم من عسكر الزَّنْج، فثبتت جماعة من قُوَّاد الغلمان في أنجاد أصحابهم وشجعانهم، فردّوا وجوه الزَّنج حتى ثاب الناس، وتراجعوا إلى مواقفهم، ودامت الحرب بينهم إلى وقت صلاة العصر فأمر أبو أحمد عند ذلك غلمانه أن يحملوا على الفسقة بأجمعهم حملةً صادقة، ففعلوا ذلك، فانهزم الزَّنْج وأخذتهم السيوف حتى انتهوْا إلى دار الخبيث؛ فرأى الموفّق عند ذلك أن يصرف غلمانه وأصحابه على إحسانهم، فأمرهم بالرجوع، فانصرفوا على هدوء وسكون؛ فأقام الموفّق في النهر ومَنْ معه في الشَّذَا يحميهم؛ حتى دخلوا سفنهم، وأدخلوها خيلهم، وأحجم الزَّنْج عن اتّباعهم لما نالهم في آخر الوقعة.
وانصرف الموفّق ومعه أبو العباس وسائر قوّاده وجميع جيشه قد غنموا أموال الفاسق، واستنقذوا جمعًا من النساء اللَّواتي كان غلب عليهنّ من حرم المسلمين كثيرًا، جعلهن يخرجن في ذلك اليوم أرسالًا إلى فوّهة نهر أبي الخصيب، فيحمَلن في السفن إلى الموفقيّة إلى انقضاء الحرب.
وكان الموفّق تقدّم إلى أبي العباس في هذا اليوم أن ينفذ قائدًا من دوّاده في خمس شَذَوات إلى مؤخر عسكر الخبيث بنهر أبي الخصيب، لإحراق بيادرَ ثمّ جليل قدرها، كان الخبيث يقوت أصحابه منها من الزَّنْج وغيرهم، ففعل ذلك وأحرق أكثرَه، وكان إحراق ذلك من أقوى الأشياء على إدخال الضعف على الفاسق وأصحابه، إذ لم يكن لهم معوّل في قوتهم غيره؛ فأمر أبو أحمد بالكتاب بما تهيأ له على الخبيث وأصحابه في هذا اليوم إلى الآفاق ليُقرأ على الناس، ففعل ذلك.