أباه، ومضى يؤمّ النهر المعروف بالديناريّ، فأقام فيه متحصّنًا بالأدغال والآجام، وانصرف الموفّق ورَأس الخبيث منصوب بين يديه على قناة في شَذاة، يخترق بها نهر أبي الخصيب، والناس في جنبتي النهر ينظرون إليه حتى وافى دِجْلة، فخرج إليها فأمر بردّ السفن التي كان عبر بها في أول النهار إلى الجانب الشرقي من دِجْلة، فرُدّت ليعبر الناس فيها.
ثم سار ورأسُ الخبيث بين يديه على القناة، وسليمان بن جامع والهمدانيّ مصلوبان في الشَّذَا، حتى وافى قصهرَه بالموفقيَّة، وأمَر أبا العباس بركوب الشذا وإقرار الرأس وسليمان والهمداني على حالهم والسير بهم إلى نهر جَطَّى، وهو أوّل عسكر الموفّق، ليقع عليهم عيون الناس جميعًا في العسكر، ففعل ذلك وانصرف إلى أبيه أبي أحمد، فأمر بحبس سليمان والهمدانيّ وإصلاح الرأس وتنقيته.
وذكر أنه تتابع مجيء الزَّنج الذين كانوا أقاموا مع الخبيث وآثروا صحبته، فوافى ذلك اليوم زُهاء ألف منهم، ورأى الموفّق بذل الأمان، لما رأى من كثرتهم وشجاعتهم، لئلا تبقى منهم بقية تُخاف معرّتها على الإسلام وأهله، فكان من وافَى من قُوّاد الزَّنج ورجالهم في بقية يوم السبت وفي يوم الأحد والإثنين زُهاء خمسة آلاف زنجيّ، وكان قد قُتِل في الوقعة وكرق وأسِر منهم خَلْق كثير لا يوقَف على عددهم، وانقطعت منهم قطعة زهاء ألف زِنجيّ مالوا نحو البرّ، فمات أكثرهم عطشًا، فظفر الأعراب بمَنْ سلم منهم واسترقوهم.
وانتهى إلى الموفَّق خبر المهلبيّ وأنكلاي ومقامهما بحيث أقاما مع مَنْ تبعهما من جِلَّة قُوّاد الزَّنْج ورجالهم، فبث أنجاد غلمانه في طلبهم، وأمرهم بالتضييق عليهم؛ فلما أيقنوا بأن لا ملجأ لهم أعْطَوْا بأيديهم، فظفر بهم الموفَّق وبمَنْ معهم، حتى لم يشذَّ أحد، وقد كانوا على نحو العِدَّة التي خرجت إلى الموفّق بعد قتل الفاجر في الأمان، فأمر الموقق بالاستيثاق من المهلبيّ وأنكلاي وحبسهما، ففعل.
* * *
وكان فيمن هرب من عسكر الخبيث يوم السبت ولم يركن إلى الأمان قرطاس