للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانهزموا وتفرَّقُوا لا يلوى بعضهم على بعض، وأتبعهم الجيش يقتلون ويأسرون مَنْ لحقوا منهم، وانقطع الفاسق في جماعة من حُماته من قُوّاد الجيش ورجالهم وفيهم المهلبيّ.

وفارقه ابنه أنكلاي وسليمان بن جامع، فقصد لكل فريق ممّن سمّينا جمع كثيف من موالي الموفّق وغلمانه الفرسان والرَّجّالة، ولَقِيَ مَنْ كان رتبه الموفّق من أصحاب أبي العباس في الموضع المعروف بعسكر ريحان المنهزمين من أصحاب الفاجر، فوضعوا فيهم السلاح، ووافى القائد المرتب في نهر الأمير، فاعترض الفجرة، فأوقع بهم، وصادف سليمان بن جامع فحاربه، فقتل جماعة من حُماته، فظفر بسليمان فأسره، فأتى به الموفّق بغير عهد ولا عقد، فاستبشر الناس بأسر سليمان، وكَثُر التكبير والضجيج، وأيقنوا بالفتح إذ كان أكثر أصحابه غَناء عنه، وأسر بعده إبراهيم بن جعفر الهمدانيّ - وكان أحد أمراء جيوشه - وأسِر نادر الأسود المعروف بالحفار، وهو أحد قدماء أصحاب الفاجر - فأمر الموفّق بالاستيثاق منهم وتصييرهم في شذاة لأبي العباس، ففُعل ذلك.

ثم إن الزَّنْج الذين انفردوا مع الفاسق عطفوا على الناس عطفة أزالوهم بها عن مواقفهم، ففتروا لذلك، وأحسّ الموفّق بفتورهم، فجدّ في طلب الخبيث، وأمعن في نهر أبي الخصيب، فشدّ ذلك من قلوب مواليه وغلمانه وجدُّوا في الطلب معه.

وانتهى الموفّق إلى نهر أبي الخصيب، فوافاه البشير بقتل الفاجر؛ ولم يلبث أن وافاه بشير آخر ومعه كفّ زعم أنها كفه، فقويَ الخبر عنده بعض القُوّة، ثم أتاه غلام من أصحاب لؤلؤ يركُض على فرس، ومعه رأس الخبيث، فأدناه منه، فعرضه على جماعة ممن كان بحضرته من قوّاد المستأمنة، فعرَفوه فخرّ لله ساجدًا على ما أولاه وأبلاه، وسجد أبو العباس وقُوّاد موالي الموفّق وغلمانِه شكرًا لله، وأكثروا حمد الله والثناء عليه، وأمر الموفَّق برفع رأس الفاجر على قناة ونصبه بين يديه، فتأمَّله الناس وعرفوا صِحة الخبر بقتله، فارتفعت أصواتهم بالحمد لله.

وذكر أن أصحاب الموفّق لما أحاطوا بالخبيث، ولم يبقَ معه من رؤساء أصحابه إلا المهلبيّ، ولَّى عنه هاربًا وأسلمه، وقصد النهر المعروف بنهر الأمير، فقذف نفسه فيه يريد النجاة، وقبل ذلك ما كان ابن الخبيث أنكلاي فارق

<<  <  ج: ص:  >  >>