يظفرهم الله به؛ فإن أعياهم ذلك أقاموا بمواضعهم حتى يحكم الله بينهم وبينه، وسألوا الموفّق أن يأمر بردّ السفن التي يعبرون فيها إلى الموفقيّة عند خروجهم منها للحرب، لتنقطع أطماع الذين يريدون الرجوع عن حرب الفاسق من ذلك، فجزاهم أبو أحمد الخير على تنصّلهم من خطئهم، ووعدهم الإحسان، وأمرهم بالتأهّب للعبور، وأن يعظوا أصحابهم بمثل الذي وُعِظوا به، وأقام الموفق بعد ذلك يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة لإصلاح ما يحتاج إليه؛ فلما كَمَل ذلك تقدّم إلى من يثِق به من خاصّته وقُوّاد غلمانه ومواليه، بما يكون عليه عملُهم في وقت عبورهم.
وفي عشيّ يوم الجمعة، تقدّم إلى أبي العباس وقوّاد غلمانه ومواليه بالنهوض إلى مواضع سمّاها لهم؛ فأمر أبا العباس بالقصد في أصحابه إلى الموضع المعروف بعسكر ريحان، وهو بين النهر المعروف بالسفيانيّ والموضع الذي لجأ إليه، وأن يكون سلوكه بجيشه في النهر المعروف بنهر المغيرة، حتى يخرج بهم في معترَض نهر أبي الخصيب، فيوافي بهم عسكَر ريحان من ذلك الوجه، وأنفذ قائدًا من قوّاد غلمانه السودان وأمره أن يصير إلما نهر الأمير فيعترض في المنَصف منه، وأمر سائر قواده وغلمانه بالمبيت في الجانب الشرقي من دِجْلة بإزاء عسكر الفاسق متأهبين للغدوّ على محاربته، وجعل الموفّق يطوف في الشَّذَا على القُوّاد ورجالهم في عشيّ يوم الجمعة وليلة السبت، ويفرّقهم في مراكزهم والمواضع التي رتَّبهم فيها من عسكر الفاسق، ليباكروا المصير إليها على ما رسم لهم.
وغدا الموفّق يوم السبت لليلتين خَلَتا من صفر سنة سبعين ومئتين، فوافى نهر أبي الخصيب في الشذا، فأقام بها حتى تكامل عبورُ الناس وخروجهم عن سفنهم، وأخذ الفرسان والرخالة مراكزَهم، وأمر بالسفن والمعابر فُردّت إلى الجانب الشرقيّ، وأذن للناس في الزحف إلى الفاسق، وسار يقدمهم حتى وافى الموضع الذي قدّر أن يثبُت الفسقة فيه لمدافعة الجيش عنهم.
وقد كان الخائن وأصحابه لخبثهم رجعوا إلى المدينة يوم الإثنين بعد انصراف الجيش عنها، وأقاموا بها، وأمّلوا أن تتطاول بهم الأيام، وتندفع عنهم المناجزة، فوجد الموفّق المتسرعين من فرسبان غلمانه، ورجّالتهم قد سبقوا أعظم الجيش، فأوقعوا بالفاجر وأصحابه وقعةً أزالوهم بها عن مواقفهم؛