من عسكر الموفّق للقصد إلى منازلهم بمدينة السلام، فيهم نسوة، فقتلهم وسلبهم، وغلب على النسوة اللاتي كنّ معهم؛ فلما صِرْنَ في يده بحثهنّ عن الخبر، فأخبرنه بقتل الفاسق والظفر بالمهلبيّ وأنكلاي وسليمان بن جامع وغيرهم من رؤساء أصحاب الفاسق وقوّاده ومصير أكثرهم إلى الموفّق في الأمان وقبوله إياهم وإحسانه إليهم؛ فأسقِط في يده، ولم ير لنفسه ملجأ إلّا التعوّذ بالأمان ومسألة الموفّق الصفح عن جُرْمه، فوجَّه في ذلك، فأجيب إليه، فلما ورد عليه الأمان خرج وجميع من معه حتى وافى عسكر الموفّق، فوافت منهم قطعة حسنة كثيرة العدد لم يصبها بؤس الحِصار وضرّه مثل ما أصاب سائر أصحاب الخبيث، لما كان يصل إليهم من أموال الناس وميرهم.
فذكر: أن درمويه لما أومن وأحسن إليه وإلى أصحابه، أظهر كلّ ما كان في يده وأيديهم من أموال الناس وأمتعتهم، وردّ كلّ شيء منه إلى أهله ردًّا ظاهرًا مكشوفًا، فووفِق بذلك على إنابته، فخلع عليه وعلى وجوه أصحابه وقُوّاده، ووصِلوا، فضمهم الموفّق إلى قائد من قُوّاد غلمانه، وأمر الموفّق أن يكتب إلى أمصار الإسلام بالنّداء في أهل البصرة والأبُقة وكُور دِجْلة وأهل الأهواز وكورَها وأهل واسط وما حولها مما دخله الزَّنج بقتل الفاسق، وأن يُؤمَروا بالرجوع إلى أوطانهم، ففُعل ذلك، فسارع الناس إلى ما أمِرُوا به، وقدموا المدينة الموفقيّة من جميع النواحي.
وأقام الموفّق بعد ذلك بالموفقّية ليزداد الناس بمقامه أمنًا وإيناسًا، وولّى البصرة والأبُلّة وكُور دِجْلة رجلًا من قُوّاد مواليه قد كان حمِد مذهبه، ووقف على حسن سيرته، يقال له العباس بن تركس؛ فأمره بالانتقال إلى البصرة والمقام بها.
وولّى قضاء البصرة والأبُلّة وكُورِ دَجْلة، وواسط محمد بن حماد.
وقدّم ابنه أبا العباس إلى مدينة السلام، ومعه رأس الخبيث صاحب الزّنْج ليراه الناس، فاستبشروا، فنفذ أبو العباس في جيشه حتى وافى مدينة السلام يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة، فدخلها في أحسن زيّ، وأمر برأس الخبيث فسِير به بين يديه على قناة، اجتمع الناس لذلك.
وكان خروج صاحب الزنج في يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومئتين، وقتِل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين