ذكر - ولم يواقعه، وباتا؛ كلّ واحد منهما قريب من صاحبه، فارتحل بكر بالليل فلم يتبعه وصيف، ومضى بكْر إلى أصبهان، ورجع وصيف إلى بغداد فكتب المعتضد إلى بدر يأمره يطلب بكْر وعرَبِه، فتقدّم بدر إلى عيسى النُّوشريّ بذلك، فقال بكر بن عبد العزيز:
عنِّي مَلَامُك ليس حين مَلَامِ ... هيهاتَ أُحْدِثُ زائدًا لِلُوَامِ
طارَتْ غَيَاياتُ الصِّبا عن مَفْرقي ... ومضى أوانُ شَراسَتي وعُرَامي
أَلقى الأَحِبَّةُ بالعراقِ عِصِيَّهْمُ ... وبَقِيتُ نَصْب حوادثِ الأيَّامِ
وتقَاذَفتْ بأَخي النوى ورمتْ به ... مَرْمَى البعيدِ قطِيعةُ الأَرحام
وتَشَعَّبَ العربُ الذين تصدَّعوا ... فذَبَبْتُ عن أَحسابِهمْ بحُسامي
فيه تَماسُك ما وَهَى من أَمرِهمْ ... والسُّمْر عند تصادُمِ الأَقوامِ
فلأقرَعَنَّ صفاةَ دهرٍ نابهُمْ ... قرْعًا يَهُدّ رواسِيَ الأَعلامِ
ولأضربنَّ الهامَ دونَ حريمِهمْ ... ضَرْبَ القُدَارِ نَقيعةَ القدّام
ولأتركُنَّ الواردينَ حياضَهمْ ... بقَرارة لمواطِئِ الأقدامِ
يا بدرُ إِنَّكَ لو شهِدتَ مواقفِي ... والمَوتُ يَلحظ والصِّفاحُ دوامي
لَذَمَمْتَ رأْيكَ في إضاعةِ حُرمَتي ... ولضاقَ ذرْعُك في اطِّراحِ ذمامي
حرَّكتني بعدَ السكونِ وإنما ... حرّكتَ مِنْ حِصْنِي جبالَ تَهَامِ
وعَجمْتني فعجمْتَ مني مِرجَمًا ... خَشِنَ المناكب كلَّ يومِ زحامِ
قلْ للأَميرِ أَبي محمد الذي ... يَجْلو بِغُرَّتِهِ دُجى الإِظلامِ
أسكنتَني ظِلَّ العلَا فسكنتُهُ ... في عِيشةٍ رَغدٍ وعِزٍّ نامِي
حتى إذا حُلِّئت عنه نابَنِي ... ما نابني وتنكَّرَتْ أَيامِي
فلأشكرنَّ جَميلَ ما أوليتَنى ... ما غَرَّدَتْ في الأَيكِ وُرْقُ حمامِ
هذا أَبو حفص يَدِي وذخِيرتي ... للنائباتِ وعُدَّتي وسَنَامي
نادَيتُهُ فأجابني، وهَزَزْتهُ ... فهززتُ حَدَّ الصارمِ الصَّمصَامِ
من رامَ أن يُغضِي الجفونَ على القَذَى ... أو يَستكِينَ يَرُومُ غير مرام
ويَخيمُ حين يَرَى الأَسِنَة شرَّعًا ... والبِيضَ مُصْلَتَةٌ لضرْبِ الهام
وقال بكر بن عبد العزيز يذكر هرب النّوشريّ من بين يديه ويعيِّر وصيفًا بالإحجام عنه ويتهدّد بَدْرًا: