للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمير المؤمنين يرجع إليكم معشر الناس بأن الله عَزَّ وَجَلَّ لمّا ابتعث محمدًا بدينه، وأمره أن يصدَع بأمره، بدأ بأهله وعشيرته، فدعاهم إلى ربه، وأنذرهم وبشَّرهم، ونصحَ لهم وأرشدهم، فكان من استجاب له وصدّق قولَه، واتّبع أمره نفرٌ يسير من بني أبيه، من بين مؤمنٍ بما أتى به من ربِّه، وبين ناصر له وإن لم يتّبع دينَه؛ إعزازًا له، وإشفاقًا عليه، لماضي علم الله فيمن اختار منهم، ونفذت مشيئته فيما يستودعه إياه من خلافته وإِرْث نبيّه؛ فمؤمنهم مجاهد بنُصرته وحميّته، يدفعون مَنْ نابذَه، وينهرون مَنْ عارَّه وعانده، ويتوثَّقون له ممن كانفه وعاضده، ويبايعون له مَنْ سمح بنصرته، ويتجسَّسون له أخبار أعدائه، ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأى العين؛ حتى بلغ المدَى، وحان وقت الاهتداء، فدخلوا في دين الله وطاعته وتصديق رسوله، والإيمان به، بأثبت بصيرة، وأحسن هدى ورغبة، فجعلهم الله أهل بيتِ الرّحمة، وأهل بيت الدين - أذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرًا - ومعدن الحكمة، وورثة النبوّة وموضع الخلافة، وأوجب لهم الفضيلة وألزم العباد لهم الطاعة.

وكان ممن عانده ونابذه وكذّبه وحاربه من عشيرته العددُ الأكثر، والسواد الأعظمُ؛ يتلقّوْنَه بالتكذيب والتثريب، ويقصدونه بالأذيّة والتخويف، ويبادونه بالعداوة، وينصبون له المحاربة، ويصدّون عنه مَنْ قصده، وينالون بالتعذيب مَن اتّبعه، وأشدُّهم في ذلك عداوةً وأعظمهم له مخالفة، وأوّلهم في كلّ حرب ومناصَبَة، لا يُرفع على الإِسلام رايةٌ إلا كان صاحبها وقائدها ورئيَسها، في كلّ مواطن الحرب، من بدر وأحُد والخندق والفتح. . . أبو سفيان بن حَرْب وأشياعه من بني أمية، الملعونين في كتاب الله، ثمَّ الملعونين على لسان رسول الله في عدّة مواطن، وعدّة مواضع، لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم، ونفاقهم وكفر أحلامهم؛ فحارب مجاهدًا، ودافع مكابدًا، وأقام منابذًا حتى قهره بالسيف، وعلا أمر الله وهم كارهون؛ فتقوَّل بالإِسلام غير منطوٍ عليه، وأسرَّ الكفر غير مقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون، وميز له المؤلفة قلوبُهم، فقبله وولده على علم منه؛ فممّا لعنهم الله به على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل به كتابًا قوله: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}، ولا اختلاف بين أحد أنَّه أراد بها بني أميّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>