أراد أن ينام إلى البيت الذي فيه أبو ليلى حتى يراه، ثمَّ يقفل عليه باب البيت هو بيده ويمضي فينام، وتحت فراشه سيف مسلول، وكان أبو ليلى قد سأل أن تُدخَل إليه جارية، فأدخِلت إليه جارية حدَثة السنِ، فذكر عن ذلفاء جارية أبي ليلى عن هذه الجارية أنها قالت: بَردَ أبو ليلى المسمار الذي في القيد، حتى كان يخرجه من رجله إذا شاء، قالت: وجاء شفيع الخادم عشيَّةٌ من العشايا إلى أبي ليلى، فقعد معه يحدّثه، فسأله أبو ليلى أن يشرب معه أقداحًا، ففعل، ثمَّ قام الخادم لحاجته، قالت: فأمرني أبو ليلى، ففرشتُ فراشه، فجعل عليه ثيابًا في موضع الإنسان من الفراش، وغطى على الثياب باللِّحاف، وأمرني أن أقعد عند رِجْل الفراش، وقال لي: إذا جاء شفيع لينظر إليّ ويقفل الباب، فسألك عنِّي فقولي: هو نائم، وخرج أبو ليلى من البيت، فاختفى في جوف فرش ومتاع في صُفَّة فيها باب هذا البيت، وجاء شفيع فنظر إلى الفراش، وسأل الجارية فأخبرتْه أنَّه قد نام، فأقفل الباب، فلمَّا نام الخادم ومَنْ معه في الدار التي في القلعة خرج أبو ليلى، فأخذ السيف من تحت فراش شفيع، وشدّ عليه فقتله، فوثب الغلمان الذين كانوا ينامون حوله فزعين، فاعتزلهم أبو ليلى والسيف في يده، وقال لهم: أنا أبو ليلى قد قتلتُ شفيعًا، ولئن تقدم إليّ منكم أحد لأقتلنَّه وأنتم آمنون؛ فاخرجوا من الدار حتى أكلِّمَكم بما أريد، ففتحوا باب القلعة، وخرجوا وجاء حتى قعد على باب القلعة، واجتمع الناس ممَّن كان في القلعة فكلَّمهم ووعدهم الإحسان، وأخذ عليهم الأيْمان، فلمَّا أصبح نزل من القَلْعة، ووجَّه إلى الأكراد وأهل الزّموم، فجمعهم وأعطاهم، وخرج مخالفًا على السلطان، وقيل: إن قتله الخادم كان في ليلة السبت لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة، وقيل: إنه ذبح الخادم ذبحًا بسكِين كان أدخلها إليه غلامه، ثمَّ أخذ السيف من تحت فراش الخادم وقام به إلى الغلمان.
وفي هذه السنة - وهي سنة أربع وثمانين ومئتين - كان المنجّمون يوعدون الناس بغرق أكثر الأقاليم، وأنّ إقليم بابل لا يسلم منه إلا اليسير، وأنّ ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة المياه في الأنهار والعيون والآبار، فقحط الناس فيها فلم يروْا فيها من المطر إلا اليسير، وغارت المياه في الأنهار، والعيون والآبار،