فاستقرّ الأمر بين بدر وأبي عمر على أن يدخل بدر بغداد سامعًا مطيعًا، وعبَر بدر دِجْلة، فصار إلى النعمانيّة، وأمر غلمانه وأصحابه الذين بقُوا معه أن ينزعوا سلاحهم، وألّا يحاربوا أحدًا، وأعلمهم ما ورد به عليه أبو عمر من الأمان؛ فبينا هو يسير إذ وافاه محمَّد بن إسحاق بن كنْداج في شَذًا، ومعه جماعة من الغلمان، فتحول إلى الحرَّاقة، وسأله بدر عن الخبر، فطيّب نفسه، وقال له قولًا جميلًا، وهم في كل ذلك يؤمرونه؛ وكان القاسم بن عبيد الله وجّهه، وقال له: إذا اجتمعتَ مع بدر، وصرت معه في موضع واحد؛ فأعلمْني. فوجّه إلى القاسم، وأعلمه؛ فدعا القاسم بن عبيد الله لؤلؤًا أحد غلمان السلطان، فقال له: قد ندبتُك لأمر، فقال: سمعًا وطاعة؛ فقال له: امض وتسلَّمْ بدرًا من ابن كنداجيق، وجئني برأسه. فمضى في طيّار حتى استقبل بدرًا ومَنْ معه بين سيب بني كوما وبين اضطربد، فتحول من الطيار إلى الحرّاقة، وقال لبدر: قم، فقال: وما الخبر؟ قال: لا بأس عليك، فحوّله إلى طيّاره، ومضى به حتى صار به إلى جزيرة بالصافية، فأخرجه إلى الجزيرة، وخرج معه، ودعا بسيف كان معه فاستلّه، فلمّا أيقَن بدر بالقتل سأله أن يُمهله حتى يُصَلِّي ركعتين، فأمهله، فصلّاهما، ثمَّ قدّمه فضرب عنُقَه، وذلك في يوم الجمعة قبل الزّوال لست خلْون من شهر رمضان، ثمَّ أخذ رأسه ورجع إلى طيّاره؛ وأقبل راجعًا إلى معسكر المكتفي بنهر دَيَالَي ورأس بدر معه، وتُركت جثّته مكانها، فبقيت هنالك. ثمَّ وجّه عياله من أخذ جثته سرًّا، فجعلها في تابوت، وأخفوْها عندهم، فلما كان أيام الموسم حملوها إلى مكة، فدفنوها بها - فيما قيل - وكان أوصى بذلك، وأعتق قبل أن يقتَل مماليكه كلّهم، وتسلم السلطان ضياع بدر ومستغلاته ودوره وجميعَ ماله بعد قتله. وورد الخبر على المكتفي بما كان من قَتْل بدر، لسبع خلوْن من شهر رمضان من هذه السنة، فرحل منصرفًا إلى مدينة السلام، ورحل معه مَنْ كان معه من الجند، وجيء برأس بدْر إليه، فوصل إليه قبل ارتحاله من موضع معسكره، فأمر به فنظِّف، ورُفع في الخزانة، ورجع أبو عمر القاضي إلى داره يوم الإثنين كئيبًا حزينًا، لِمَا كان منه في ذلك، وتكلَّم الناس فيه، وقالوا: هو كان السبب في قتل بدر، وقالوا فيه أشعارًا، فمما قيل فيه منها:
قلْ لقاضي مَدينةِ الْمنصُورِ ... بمَ أحللتَ أخذَ رأس الأَميرِ!
بعدَ إِعطائِه المواثيقَ والعهـ ... ـد وعقدِ الأَيْمانِ في مَنشورِ