برسالة إلى بدر، وكان المكتفي أرسل إلى بدر حين فَصَل من عمل فارس يعرض عليه ولاية أيّ النواحي شاء؛ إن شاء أصبهان وإن شاء الريّ، وإن شاء الجبال، ويأمره بالمصير إلى حيث أحبّ من هذه النواحي مع مَنْ أحبّ من الفرسان والرّجالة، يقيم بها معهم واليًا عليها. فأبى ذلك بدر، وقال: لابدّ لي من المصير إلى باب مولاي.
فوجد القاسم بن عبيد الله مساغًا للقول فيه، وقال للمكتفي: يا أمير المؤمنين، قد عرضنا عليه أن نقلّده أيّ النواحي شاء أن يمضيَ إليها، فأبى إلَّا المجيء إلى بابك، وخوّفه غائلتَه، وحرّض المكتفي على لقائه ومحاربته، واتصل الخبر ببدر أنَّه قد وُكِّل بداره، وحبس غلمانه وأسبابه، فأيقن بالشرّ، ووجّه مَنْ يحتال في تخليص ابنه هلال وإحداره إليه، فوقف القاسم بن عبيد الله على ذلك، فأمر بالحفظ به، ودعا أبا خازم القاضي على الشرقية وأمره بالمضي إلى بدر ولقائه وتطييب نفسه وإعطائه الأمان من أمير المؤمنين، على نفسه وماله وولده، فذُكر أن أبا خازم قال له: أحتاج إلى سماع ذلك من أمير المؤمنين حتى أؤدّيه إليه عنه، فقال له: انصرفْ حتى أستأذنَ لك في ذلك أمير المؤمنين.
ثمَّ دعا بأبي عمر محمَّد بن يوسف، فأمره بمثل الذي أمر به أبا خازم، فسارع إلى إجابته إلى ما أمره به، ودفع القاسم بن عبيد الله إلى أبي عمر كتاب أمان عن المكتفي، فمضى به نحو بدر، فلمّا فصل بدر عن واسط ارفضّ عنه أصحابه وأكثر غلمانه؛ مثل عيسى النُّوشريّ وختَنَه يانس المستأمن وأحمد بن سمعان ونحرير الصغير، وصاروا إلى مضرب المكتفي في الأمان. فلما كان بعد مضيّ ليلتين من شهر رمضان من هذه السنة، خرج المكتفي من بغداد إلى مضربه بنهر دَيَالي، وخرج معه جميع جيشه، فعسكر هنالك، وخلع على مَنْ صار إلى مضربه من الجماعة الذين سَمّيتُ، وعلى جماعة من القوّاد والجند. ووكّلَ بجماعة منهم، ثمَّ قيّد تسعة منهم، وأمر بحملهم مقيّدين إلى السجن الجديد؛ ولقي - فيما ذكر - أبو عمر محمَّد بن يوسف بدرًا بالقرب من واسط، ودفع إليه الأمان وخبّره عن المكتفي بما قال له القاسم بن عبيد الله، فصاعد معه في حَرَّاقة بدر، وكان قد سيّره في الجانب الشرقيّ وغلمانه الذين بقُوا معه في جماعة من الجند وخلق كثير من الأكراد وأهل الجبل يسيرون معه بمسيره على شطّ دِجْلة،