دخلها والذي بعده، ثمَّ رحل عنها بعد المغرب إلى البرّيّة، وإنما أصاب ذلك مِنْ رَبَضِها، وتحصّن منه أهلُ المدينة بسورها، فشخص محمَّد بن إسحاق بن كُنْداجيق إلى هِيت في جماعة من القوّاد في جيش كثيف بسبب هذا القرمطيّ، ثمَّ تبعه بعد أيام مؤنس الخازن.
وذكر عن محمَّد بن داود، أنَّه قال: إنَّ القرامطة صبّحوا هِيت وأهلُها غارّون فحماهم الله منه بسورها، ثمَّ عجّل السلطان محمَّد بن إسحاق بن كُنْدَاجيق نحوهم، فلم يقيموا بها إلا ثلاثًا، حتى قرب محمَّد بن إسحاق منهم، فهربوا منه نحو الماءين، فنهض محمَّد نحوهم، فوجدهم قد عوّروا المياه بينه وبينهم، فأنفِذت إليه من الحضرة الإبل والروايا والزّاد، وكُتب إلى الحسين بن حمدان بالنفوذ من جهة الرّحبة إليهم ليجتمع هو ومحمد بن إسحاق على الإيقاع بهم، فلما أحسّ الكلبيّون بإشراف الجند عليهم، ائتمروا بعدوّ الله المسمّى نصرًا، فوثبوا عليه، وفتكوا به، وتفرّد بقتله رجلٌ منهم يقال له الذئب بن القائم، وشخص إلى الباب متقرّبًا، بما كان منه، ومستأمِنًا لبقيتهم، فأسنِيت له الجائزة، وعُرِف له ما أتاه، وكُفّ عن طلب قومِه، فمكث أيامًا ثمَّ هرب، وظفرت بطلائع محمَّد بن إسحاق برأس المسمّى بنصر، فاحتزّوه وأدخلوه مدينة السلام، واقتتلت القرامطة بعده، حتى وقعت بينهما الدماء، فصار مقدام بن الكيّال إلى ناحية طيئ مفلتًا بما احتوى عليه من الحُطام، وصارت فرقة منهم كرهت أمورَهم إلى بني أسد المقيمين بنواحي عين التمر، فجاوروهم وأرسلوا إلى السلطان وفدًا يعتذرون مما كان منهم، ويسألون إقرارهم في جوار بني أسد، فأجيبوا إلى ذلك، وحصلت على الماءين بقية الفسَقة المستبصرة في دين القرامطة.
وكتب السلطان إلى حسين بن حمدان في معاودتهم باجتثاث أصولهم، فأنفذ زكرويه إليهم داعيةً له من أكَرة أهل السواد يسمّى القاسم بن أحمد بن عليّ، ويعرف بأبي محمّد، من رستاق نهر تلحانا، فأعلمهم أنّ فعل الذئب بن القائم قد أنفره عنهم، وثقّل قلبه عليهم، وأنهم قد ارتدّوا عن الدين، وأن وقت ظهورهم قد حضر، وقد بايع له بالكُوفة أربعون ألف رجل، وفي سوادها أربعمئة ألف رجل، وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله في كتابه في شأن موسى كليمه عليه